فلسطين أون لاين

​لماذا تراجعت هيبة المعلم في عين الطالب؟

...
غزة - مريم الشوبكي

منذ زمن ليس ببعيد، كان للمعلم مكانةٌ لا ينازعه عليها أحد، وهيبةٌ تجعل طلابه يخجلون من النظر في عينيه، كانت كلمته مسموعة، واحترامه واجب، وكان القائد الاجتماعي الأبرز، وكانت مهنة المعلم تتربع على القمة بين المهن، أما في أيامنا الحالية، تتعدد حالات إهانة الطلبة للمعلمين بالسب والشتم، وأحيانا يصل الأمر إلى الاعتداء بالضرب.. ما الأسباب التي أدت إلى ذلك؟ وما الحل؟ وكيف يتصرف المعلم في حال أساء له أحد الطلاب؟ وما دور الأهل في متابعة أبنائهم؟

في ازدياد

تقول مدرسة اللغة العربية عطاف شمة: "تطاول الطالبات على معلماتهن في ازدياد، سواء بالسب والشتم أو فعل حركات مشينة، وذلك مقارنة بما كان عليه الحال في السابق".

وتضيف لـ"فلسطين": "الأمر يعود لخلل في تربية الجيل الحالي، فالطلبة لم يعتادوا على احترام المعلم، وأحيانا يكون جزء من المشكلة مرتبطا بمعاناة نفسية للطالب كأن يكون يعيش تفككًا أسريا، بالإضافة إلى أن للإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي تأثيرا على تصرفات الطلبة".

وتتابع معلمة التاسع الإعدادي: "بعض الطالبات تتعمد القيام بحركات مستفزة، أو رفع الصوت في الحديث مع المعلمة لاستفزازها، هنا قد تتوتر المعلمة وتقوم برد فعل فوري تصطدم فيه مع الطالبة، ولكن من الأفضل أن تتمالك أعصابها ولا تلجأ إلى العقاب البدني، وأمامها خيارات أخرى كتحويل الطالبة لمدير المدرسة، أو استدعاء ولي أمرها".

وتؤكد شمة أن إشراك المرشدة النفسية في المدرسة ضروري، لكي تضع يدها على الأسباب التي تدفع الطالبة لإهانة معلمتها، ولترشدها نحو تحسين تعاملها مع المعلمات.

أسباب عدة

دياب شلح، معلم التاريخ في مدرسة شهداء الزيتون الثانوية، يتحدث عن خلاصة تجربة 13 عاما من التعليم والاحتكاك بالطلبة، يقول: "تكثر حالات الاعتداء على المعلم في المناطق التي تكثر فيها العشائر والعائلات الكبيرة".

ويضيف لـ"فلسطين": "لا يوجد رادع للطلبة بسبب تراخي وزارة التربية والتعليم في تطبيق العقوبات والقوانين على الطلبة المخطئين، بالإضافة إلى تراخي إدارة المدرسة في حل المشكلة حلًّا جذريا، فغالبا ما يتم التراضي بين المعلم، وأحيانا يكون ضعف شخصية المعلم الجديد سببا في تجرّؤ الطلبة على إهانته".

ويوضح: "رد فعل المعلمين على تطاول الطلبة يختلف من معلم لآخر، فمنهم من يلجأ لمراكز الشرطة لحل المشكلة، ومنهم من يستخدم العنف ليدافع عن نفسه، وهنا تتفاقم المشكلة وتتحول إلى قضية عائلية".

ويشدد على ضرورة تطبيق قانون الوزارة بحق الطالب المعتدي، والقاضي بفصل الطالب في حال اعتدى بالضرب على مدرسه، أو نقله من مديرية إلى مديرية أخرى، أو نقله من مدرسة إلى مدرسة أخرى، لافتا إلى أن أغلب مشاكل المعلمين مع الطلبة يتم حلها بوسائل دبلوماسية وعائلية وبتدخل رجال الإصلاح بعيدا عن تطبيق القانون، مما يضعف موقف المعلم.

ويرجع غياب تطبيق القوانين إلى امتناع بعض المعلمين عن التقدم بشكاوى للوزارة ضد الطلبة المعتدين خوفا من أن يُحسب ذلك "نقطة سوداء" في ملفّه الوظيفي.

ويقول دياب: "نحن بحاجة لتفعيل دور وسائل الإعلام والمساجد في إبراز مكانة المعلم، وحث الأسر على متابعة أبنائهم وترسيخ القيم في نفوسهم، وكذلك توزيع نشرات من قبل الوزارة للهدف ذاته، مع تطبيق القوانين المتعلقة بالأمر".

مادية لا علمية

المشرف التربوي عمر حسونة، يقول: إن :المعلم منذ زمن ليس ببعيد كان يُعدّ من قيادات المجتمع، لكن الآن معيار الحكم على الإنسان تغيّر، وأصبحت القدرة المادية أهم من العلمية في ذلك".

ويضيف لـ"فلسطين": "أخلاقيات الطلاب تغيرت، ودور الأهل يتوارى، وأغلب الأهالي يجهلون وضع أبنائهم في المدرسة ولا يتجاوبون مع دعوات المدرسة بضرورة الحضور"، لافتا إلى أن الأسرة لم تعد المصدر الوحيد للتربية، بل يتعرض الطالب لكثير من التيارات الفكرية، ويتأثر بالعادات الوافدة من مصادر مختلفة، والتي تفسد أخلاقه.

ويعزو تجرؤ الطلاب على معلميهم بالسب والضرب، إلى الضغط النفسي الذي يعيشه الطالب في الظروف الصعبة التي يعيشها المجتمع.

ولكن في بعض الأحيان يكون الخطأ من المعلم، الذي يخترق القواعد والأصول التربوية ويعنّف طلابه بالضرب الأمر الذي يدفعهم للانتقام، وفق قول حسونة.

وينصح حسونة المعلمين بضبط النفس في مواجهة الإهانة، وعدم اللجوء للعقاب النفسي والبدني للطالب، بل ينبغي التواصل مع مدير المدرسة والمرشد النفسي، واستدعاء الأهل، مشيرا إلى أن مشاكل اعتداءات الطلاب على المعلمين تُحل بتدخل الشرطة أو باللجوء للصلح العشائري.