فلسطين أون لاين

​أحكامها بلا استئناف والنقابة تهدد بالتصعيد

محاكمة الصحفي "أبو زيد" أمام الجنايات.. استبداد سياسي يهدد المواطَنة

...
رام الله / غزة - أحمد المصري

يهدد قرار محكمة الصلح في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة بإحالة ملف قضية الصحفي طارق أبو زيد إلى محكمة الجنايات الكبرى، بجنوح السلطة الفلسطينية "باتجاه نظام قمعي استبدادي يهدم مفهوم المواطنة، ويحول المواطنين إلى خانعين".

ففي سابقة هي الأولى من نوعها ادعت محكمة الصلح عدم اختصاصها بالنظر في التهم المنسوبة إلى أبو زيد، وفقاً للمادة رقم (20) من قرار بقانون الجرائم الإلكترونية، التي تتهم الصحفي طارق بـ"نشر أخبار من شأنها تعريض سلامة الدولة ونظامها العام أو أمنها الداخلي أو الخارجي للخطر"، الأمر الذي عدته نقابة الصحفيين الفلسطينيين "تغليظاً للعصا التي ترفع بوجه الصحفيين، وإيغالاً في سياسة تكميم الأفواه وتخويف الصحفيين، وتشكل خطراً حقيقياً على الحق بالرأي وحرية التعبير عنه، وحرية العمل الصحفي".

ودعت النقابة في بيان صحفي شديد اللهجة، أمس، منظمة التحرير، والكتل البرلمانية في المجلس التشريعي، ومؤسسات حقوق الإنسان، إلى "وقفة جدية أمام سيل التشريعات المخالفة للقانون الأساس الفلسطيني والمواثيق والمعاهدات الدولية".

وقالت: إن هذه التشريعات "تنحى بفلسطين باتجاه نظام قمعي استبدادي يهدم مفهوم المواطنة، ويحول المواطنين إلى مرعوبين وخانعين، وهو ما يتعارض تماماً مع التحديات المفروضة على الشعب الفلسطيني وقدرته على الصمود والمواجهة".

وجددت النقابة تحذيرها من مخاطر إنفاذ قانون الجرائم الإلكترونية، الذي رفضته كافة مؤسسات حقوق الإنسان والجهات الحقوقية، باعتباره مخالفاً للحق في التعبير عن الرأي في القانون الأساسي، مشيرة إلى أن الحكومة "أدارت ظهرها" لكافة الأصوات التي طالبت بإلغائه أو إجراء تعديلات جوهرية عليه.

كما هددت النقابة بالشروع في سلسلة خطوات تصعيدية إذا ما تم اعتقال أو إدانة أي صحفي في أي محكمة وفقاً لقانون الجرائم الإلكترونية "سيئ الصيت".

وأقر رئيس السلطة محمود عباس، في الثامن من يناير/ كانون الثاني الجاري تشكيل محكمة الجنايات الكبرى، والتي في حال مثُل أمامها "أبو زيد"، فإن ذلك يعني إمكانية اعتقاله لمدة لا تقل عن سنة أو تغريمه بما لا يقل عن ألف دينار أردني ولا تزيد على خمسة آلاف دينار أردني، أو بالعقوبتين كلتيهما.

أحكام بلا استئناف

وكان "أبو زيد" جرى اعتقاله في 8 من أغسطس/ آب 2017 لعدة أيام مع ثلاثة صحفيين، بناء على منشورات كتبها عبر مواقع منصات التواصل الاجتماعي، ليطلق سراحه إلى حين موعد محاكمته أمام محكمة التي أعلنت أول من أمس، عدم اختصاصها وإحالة الملف للجنايات.

ويقول "أبو زيد" لصحيفة "فلسطين"، إنه تم تحديد يوم 6 من فبراير/ شباط القادم، للمثول أمام "الجنايات الكبرى"، وإن أي حكم ستصدره المحكمة سيكون نافذا ولن يتاح له الاستئناف عليه وفقاً لقوانين المحكمة، مطالباً بإسقاط محاكمته وإلغائها.

ولفت أن العشرات من الصحفيين في الضفة الغربية والعاملين في مؤسسات إعلامية غير متوافقة مع سياسات ونهج السلطة "باتوا فعليًا بحكم قانون الجرائم الإلكترونية هدفًا للاعتقال والمحاكمة والزج في السجون".

ومضى يقول: "يمكن استخدام القانون لمحاسبة أي شخص عما ينشره بدعوى الإضرار بالأمن والمصلحة العامة"، مؤكداً أن ما كتبه على فيسبوك "منشورات عادية يكتبها أي مواطن عادي أو صحفي لأجد نفسي متهما".

سيف مسلط

و أكد الخبير القانوني الإعلامي ماجد العاروري، أن الصحفيين جزء ممن يطولهم قانون الجرائم الإلكترونية غير أنهم الفئة الأكثر تضرراً، واصفاً القانون بأنه "خطيرٌ وذو أثر كبير على الحريات، إذ تتيح بنوده الفضفاضة ملاحقة أي شخص ووفق أي موضوع واعتباره مُجرَّمًا".

وأوضح لصحيفة "فلسطين"، أن الخطورة الأكبر في القانون تطبيقه على أرض الواقع وتحويل حالات متهمة للمحاكم، وفقا للمادة (20) التي تقول إن "المتهم" عرض أمن الدولة الداخلي والخارجي للخطر مما يوصله لمحكمة الجنايات الكبرى.

ونبه العاروري، إلى أن القانون يبدو "كسيف مسلط" على رقاب الصحفيين، وكل من أصحاب الرأي والأقلام على الوسائل الإعلامية وحتى شبكات التواصل الاجتماعي، لافتا إلى أن تعديل القانون وفقا للمطالبات المتعددة أخذت وقتا طويلا.

وفور إقرار قانون الجرائم الإلكترونية أغلقت السلطة الفلسطينية العشرات من مواقع الويب الإخبارية والسياسية، فيما اعتقلت على مدار الأشهر الماضية العديد من الإعلاميين والمواطنين بتهم "تسريب معلومات لجهات معادية، والإضرار بالأمن المحلي العام"، كان آخرها اعتقال حارس الرئيس الفلسطيني الراحل العميد محمد الداية.

ويتضمن قانون الجرائم الإلكترونية 61 مادة، تحتمل تفسيرات تجعله عرضة لإساءة الاستخدام، فيما يشرعن للجهات الأمنية مراقبة وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية، ويسمح كذلك بتصنيف المنشورات بما يتلاءم مع مزاج العاملين في الأجهزة الأمنية، عوضاً عن انتهاكها للخصوصية الفردية بالسماح بمراقبة المستخدمين وتسجيل بياناتهم، وفقاً لمؤسسات حقوقية.

ويتناقض القانون كليًا مع ما جاء في القانون الأساسي الفلسطيني سيما ما يتعلق في حماية واحترام الإعلام وحرية الرأي والتعبير، ويضرب بعرض الحائط المواثيق الدولية التي وقعت عليها عباس إبريل/ نيسان 2014، من بينها اتفاقية جنيف الرابعة، وميثاق حقوق الإنسان.