فلسطين أون لاين

​منخفض سياسي حاد!!

...

كعادة الفلسطيني، يتنفس السياسة في كل شيء ويحاول إسقاط ما يسمع ويرى على وضعه السياسي، نظرت إلى المنخفض الجوي الذي يجتاحنا منذ أول من أمس، عواصف شديدة عاتية يتبعها برق ورعد وأمطار غزيرة، بل وثلوج في المناطق المرتفعة. ومن وسط البرودة الشديدة يأتي المطر وتعم الرحمة كل الكائنات والشجر والحجر ..

قضيتنا الفلسطينية بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القدس عاصمة للكيان الصهيوني والذي تزامن مع وعد بلفور قبل مائة عام تمر بمنخفض سياسي حاد .. فالمشاريع السياسية التي لزمت طاولة المفاوضات ربع قرن من الزمان قد تفرزت وأصبحت جليدا لا يرجى منه أي حرارة قد تنبعث وتعيده للحياة من جديد ، كل الاتفاقيات والتنظيرات والآمال العريضة التي بنيت عليها تفرزت وتكلست ، الدور الامريكي الذي افترضه البعض أن يلعب دورا لا أقول نزيها وانما أقل انحيازا للاحتلال كشف عن أنيابه، وإذا بدوره ينحاز لهم بشراسة غير مسبوقة . المواقف العربية على غالبيتها أيضا دخلت المنخفض الحاد وتفرزت وخارت قواها السياسية وبات رجاؤها في حليفها الامريكي في حالة من البرودة والتفريز وفقدان الامل . والمواقف الدولية أيضا من القضية الفلسطينية باتت مشلولة ولا شيء تملكه الا القول وتلطيف الاجواء الباردة بشيء من الكلام الجميل .

والوضع الداخلي الفلسطيني أيضا يدخل في هذا المنخفض السياسي إذ على سبيل المثال لا تتوفر فيه الوحدة الوطنية كشرط ضروري بديهي لشعب يواجه احتلالا . القوي الظالم يتمتع بوحدة وطنية بينما الضعيف المظلوم يفتقد هذه الوحدة ليزداد ضعفا على ضعفه .

لا شك بأن القضية الفلسطينية الآن في مخفض جوي حاد بكل مكوناتها وفي حالة من التيه السياسي والضياع التاريخي ، إذ ماذا سيكتب التاريخ عن هذه الفترة سوى التيه وضياع الأيتام على موائد اللئام .

ولكن المنخفض الجوي يأتي بالأمطار إذ بعد أن تشتد الازمة لا بد وأن تنفرج .. لا بد من أن تتزلزل الاجواء وتضرب السماء برعدها وبرقها، ولا بد من تمحيص المواقف وفرز الرجال من أشباه الرجال ، وهذا حال شعبنا في وسط المحنة يظهر بريق الامل ، تخرج الارض رجالها فتكشف هشاشة المحتل ، تضرب بعمق فينكشف الزيف ، يثبت الفلسطيني من جديد أنه يخرج من برودة المنخفض وصقيع المرحلة نارا ونورا يضيء به المنطقة . الفلسطيني أخرج للسياسة مصطلح الانتفاضة ثم بعده سارت شعوب كثيرة على هذا المصطلح لتنتزع حقوقها وتحقق حريتها .. والفلسطيني أثبت أن قضيته هي القضية المركزية في هذا العالم، فكل الخطط والمشاريع لهذه المنطقة لا بد وأن تمر من بوابة فلسطين فإن صمد وثبت وقال لا حبطت مشاريعهم .. لن تمر صفقة القرن ولن يتحقق لهم التطبيع الا بموافقة الفلسطيني وهذا لا يحدث أبدا خاصة وأن القدس متلفعة بالمنخفض الجوي الحاد .

هذا المنخفض يصيب الجميع بخيره وشره وسيبقى كذلك حتى ترسم الامة لنفسها خارطة الطريق دون ان يرسمها لهم أحد .. الهدف معروف والروح عالية ولكن تبقى الخطة والرسم الصحيح لخارطة التحرير من خلال وحدة وطنية تعرف كيف تلتقط المطر وكيف تزرع زرعها لتستفيد من المنخفض .