فلسطين أون لاين

أبو معيلق: ضرورة إلغاء آلية (GRM) وخفض الضرائب وتقديم حوافز

تراجع القوى العاملة في قطاع الإنشاءات بغزة إلى 5%

...
غزة- أسماء صرصور

القوى العاملة هي العصب الأساسي لأي عمل يمكن القيام به بغض النظر عن نوعه، وقطاع الإنشاءات من أكثر القطاعات استيعابًا لتلك العمالة في الظروف الطبيعية، وفي الوقت نفسه يشكل غياب عنصر الأمن والسلامة خطورة على حياة العاملين.

وقد عانى العاملون في هذا المضمار خلال سنوات الحصار والحروب على قطاع غزة معاناة قاسية، أدت إلى تراجع أعدادهم من 22% إلى 5%، وأضحى غالبيتهم غير ملمين بتحديثات المهنة، في حين لم يلتزم بعض المشغلين بحقوق العمال المشروعة، كالحد الأدنى من الأجور، والتأمين الصحي، وتحديد ساعات العمل، وغيرها.

ظروف صعبة

محمد حمد (34 عامًا) خريج جامعة سيّرته الظروف الاقتصادية الصعبة ليعمل في قطاع الإنشاءات منذ ما يقارب خمسة عشر عامًا، يقول: "في بداية عملي في قطاع الإنشاءات كنا نحصل على مشروع تلو مشروع لنعمل فيه، دون أن يقف عملنا لحظة واحدة".

ويبين حمد في حديثه لصحيفة "فلسطين" أن الرواتب كانت منتظمة في مواعيد محددة، فمطلع كل أسبوعين كان يحصل على راتبه أو حسب دورة المشروع"، مستدركًا بقوله: "ما إن استنكف بعض الموظفين عن العمل حتى نزلوا إلى سوق قطاع الإنشاءات، وبدؤوا مزاحمتنا في العمل ليزداد عدد الأيدي العاملة ويقل الطلب عليها".

ويشير إلى أن العام المنصرم 2017م كان أكثر الأعوام ندرة في العمل، ما جعله صعبًا على العاملين في قطاع الإنشاءات جميعًا.

أما سامي مصطفى (33 عامًا) فهو يعمل في مجال قطاع الإنشاءات منذ ستة عشر عامًا، يذكر أن الحصار المفروض على قطاع غزة منذ أحد عشر عامًا أثر كثيرًا على عدد مشاريع البناء في قطاع الإنشاءات، ليؤدي بدوره إلى قلة الطلب على الأيدي العاملة، أو ضعف الرواتب المعروضة على هذه الأيدي.

ويشير مصطفى في حديثه لصحيفة "فلسطين" إلى أنه كان في السابق يحصل على راتبه كل خمسة عشر يومًا، الآن هو لا يعرف الوقت المحدد ليتسلم راتبه فيه، فقد تصل مدة تأخير الراتب إلى شهرين متتاليين.

ويشدد على أنه يجب على الجهات المعنية كافة أن تكفل للعاملين في قطاع الإنشاءات كل الحقوق التي تضمن لهم حياة كريمة.

تراجع القدرة الشرائية

في السياق نفسه يقول نائب رئيس جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين نبيل أبو معيلق: "إن قطاع الإنشاءات من أهم القطاعات المشغلة للأيدي العاملة في فلسطين"، مشيرًا إلى أن الإحصاءات السابقة لدى السلطة الوطنية الفلسطينية في الماضي تظهر أن قطاع الإنشاءات كان يشغّل 22% من القوى العاملة في فلسطين، وتحديدًا في قطاع غزة.

ويستدرك أبو معيلق في حديثه لـ"فلسطين": "ولكن بسبب ظروف الحصار والحروب والانقسام وانقطاع بعض المانحين عن تمويل الأعمال في قطاع غزة قلت المشاريع، تحديدًا في العام الماضي".

ويبين أن هذه الظروف انعكست سلبًا على قطاع الإنشاءات العامة والخاصة، فالقدرة الشرائية لمنازل أو شقق جديدة تتراجع، وأيضًا الصيانة للمنازل تؤجل، وقلة المشاريع الحكومية وندرة المانحين عن الأعوام السابقة انعكستا سلبًا.

ويذكر أن نسبة قليلة الآن تعمل في قطاع الإنشاءات لا تزيد على 5% في الوقت الحالي للتراجع الشديد والندرة في المشاريع، والحصار، خاصة بعد حرب 2014م، وتبني نظام (جي آر أم)، وظهور قوائم المواد المزدوجة الاستعمال ومنع إدخالها إلى غزة، وأيضًا إغلاق معبر رفح الحدودي.

ويلفت أبو معيلق إلى أن أعوام: 2009، و2010، و2011، و2012، و2013م كانت هي الأحسن في الـسنوات الإحدى عشرة الماضية، ولكنها مقارنة بسنوات ما قبل الحصار والحروب ليست أفضل حالًا منها.

وعن الأسباب التي جعلت هذه الأعوام الأفضل في الأحد عشر عامًا الأخيرة يقول: "كانت هناك بدائل وطرق لإدخال مواد البناء، كالأنفاق المصرية التي أدخلت كل ما هو ممنوع من الاحتلال، وإن كانت في بدايتها غالية الثمن؛ فإن التجار والقطاع الخاص دفعهما حجم الاحتياج لتوريدها إلى قطاع غزة".

ويكمل: "تبع ذلك تحول النظام السياسي المصري في عهد الرئيس المصري محمد مرسي، وما شهده من تسهيل أكثر في إدخال مواد البناء من معبر رفح المصري والأنفاق المصرية، وأصبحت هناك وفرة كبيرة في مواد البناء وانخفاض كبير في الأسعار".

حلول مقترحة

ويؤكد أبو معيلق أن رفع الحصار سيفتح مجالات كثيرة للعمل، ويقلل نسبة البطالة، ما يؤدي بدوره إلى انخفاض معدلات الفقر التي وصلت إلى ما يقارب 65%، وتقليل نسبة الانعدام الغذائي التي وصلت إلى 50%، لافتًا إلى أن الملاحظ حاليًّا انعدام القدرة الشرائية في القطاعات الاقتصادية كافة وضعفها، ما أدى إلى نقص السيولة في المجتمع الغزي على مدار سنوات طويلة.

ويلفت إلى أن عام 2017م أسوأ الأعوام كونه شهد انهيارًا اقتصاديًّا نتيجة إرجاع عشرات آلاف الشيكات للقطاع الخاص والمواطنين لدى البنوك وسلطة النقد، وارتفاع عدد التجار الذين سجنوا نتيجة العجز في السداد، انعكاسًا للعجز الاقتصادي العام.

وبالحديث عن الحلول المقترحة لحل الأزمة يشير إلى طريقتين: الأولى تنفيذ مشاريع تشغيلية عملية، مثل ترتيب الشوارع ودهانها وتكنيسها، "وهذه المشاريع ليس لها مردود اقتصادي مستدام في التنمية، لذا يجب رفع الحصار، وأن تتحمل حكومة الوفاق الوطني مسؤولياتها، ويجب أن يلغى نظام (جي آر أم) المقيد للحركة الإنشائية والاقتصادية والمصانع والمقاولين، ما يسهل العلاقة بين القطاع العام والخاص، في هذه الحالة يكون هناك ديناميكية أكثر في العمل وانفتاح أكبر"، على وفق قوله.

يتابع: "فتح معبر رفح يشجع فلسطينيي المهجر _خصوصًا أبناء غزة الموجودين في الخليج وسائر الدول_ أن يأتوا بسهولة إلى غزة، حينما يطمئنون إلى فتح المعبر دائمًا، ما يؤدي إلى ضخ أموالهم أو جزء منها"، لافتًا إلى أن استثمار جزء بسيط في غزة من طريق أقاربهم وأبنائهم الموجودين بالقطاع سيمثل دورة اقتصادية أهم من دعم الدول المانحة.

ويطالب أبو معيلق الحكومة بتخفيض أو تأجيل الضرائب المفروضة على غزة لتعطي دعمًا اقتصاديًّا، وسلطة النقد بدعم البنوك لتساعد بدعم القطاعات الاقتصادية، بمعنى تخفيف الفوائد على القطاع الخاص أو إلغائها أو تأجيلها، ليتمكن من الصمود أكثر في مواجهة الظروف الصعبة.

وأما الدور المنوط بالبلديات والمؤسسات الحكومية _حسبما يرى_ فهو التسهيل للقطاع الخاص كما القطاع الحكومي، فالقطاع الخاص يساهم بتشغيل 65 % من أبناء الشعب الفلسطيني، لذلك يجب أن يكون القطاع الخاص مدعومًا من قبل الحكومة، وبعض الصناديق العربية والإسلامية والأوروبية.

احتياجات

وبالانتقال إلى الحديث عن الاحتياج التدريبي للعاملين في قطاع الإنشاءات يبين أن عمل أكثر من مائة وعشرين ألف عامل فلسطيني في الأراضي المحتلة قديمًا كان يكسبهم مهارات، ويساهم في تبادل المعلومات الإنشائية الحديثة، لكن إيقاف العمل في الداخل المحتل، وترك بعض العمال العمل في قطاع الإنشاءات، والتحاقهم بوظائف أخرى جعلتهم غير ملمين بتحديثات المهنة.

ويلفت أبو معيلق إلى أنه توجد دراسات عن كيفية التدريب في كل الأعمال في مجال قطاع الإنشاءات، ولكن يجب أن يكون هناك تدريب وتطوير لعقد بعض الورش والندوات لزيادة عدد المؤهلين لهذه المهن.

السلامة المهنية والأجور

بدوره يقول المدير العام للتفتيش وحماية العمل في وزارة العمل بغزة كمال محفوظ: "إن قطاع الإنشاءات من أخطر القطاعات في مجال الأمن والسلامة"، مشيرًا إلى أن هذا موثق بإحصائيات الإصابات والوفيات خلال الأعوام الثلاث الأخيرة.

ويبين محفوظ في حديثه إلى صحيفة "فلسطين" أن الوزارة تقوم بإجراءات تفتيشية، وحملات متعددة لاستيفاء شروط السلامة في مواقع العمل، لافتًا إلى أن الوزارة قامت خلال العام المنصرم بالكثير من هذه الزيارات إلى مدينة حمد والأمل وشارع الرشيد وشارع صلاح الدين، وغيرها من المواقع الإنشائية، لتفقد شروط السلامة فيها، وفي حالة وجود خلل تصدر إنذارًا، وقد يصل الأمر في بعض الحالات إلى إغلاق بعض المنشآت.

يضيف: "نقوم بزيارة تفتيشية لتقويم الأوضاع ومدى الخطورة، وإذا لم يكن هناك تأمين على العمل والآلة المستخدمة، ولا يوجد وقاية من إصابات العمل؛ نُوعّي العمال وأصحاب العمل الحقوق والواجبات لدى الطرفين".

ويتابع محفوظ: "بعد التوعية يُطلب من المقاول وصاحب العمل مدة زمنية لتصحيح وضعه حسب الخطورة، ثم تأتي زيارة متابعة، وإن استوفى الشروط ينتهِ الأمر، وإن لم يقم تسجل بحقه مخالفة أو محضر ضبط، أو يوقف عن العمل كليًّا أو جزئيًّا".

وفيما يتعلق بالأجور يبين أن مجلس الوزراء أقر لائحة للأجور في عام 2012م، جددت في عام 2017م، وتتحدث اللائحة عن حد أدنى 1450 شيكلًا للعامل الذي يعمل بنظام الشهر، و65 شيكلًا لمن يعمل بنظام اليوم، و8.5 شيكل لمن يعمل بنظام الساعة.

ويستدرك بقوله: "لكن هذه القطاعات الاقتصادية الموجودة في غزة تعاني من إشكاليات كبيرة نتيجة الوضع الاقتصادي الاجتماعي"، مبينًا أن وزارة العمل لديها خطة للوصول إلى تطبيق أعلى نسبة في هذا الجانب.

ويكمل محفوظ: "على سبيل المثال: في مشاريع الإنشاءات جميعها اتفق مع كل الجهات التمويلية والبلديات ووزارة الحكم المحلي والمنح الدولية القطرية والكويتية أنه يجب أن يكون من شروط العطاء وضع حد أدنى للأجور".