مشهد الغروب يكاد لا ينكر روعته أحد، ولكن هل جرّبت أن تراه من زاوية مختلفة وتلمس جماله بقلبك ومشاعرك كما حدث مع التوأمين "ماندي، ولارا سرداح" حينما كانتا تمارسان رياضتهما المسائية على شاطئ بحر مدينة غزة؟
فلسفتهما في التصوير "هي نقل جمال وروح اللقطة"، أخذتهما هذه الفلسفة إلى الانتقال من تصوير جمال الطبيعة إلى الإبداع في اقتناص صور للتنوع الحيوي للنباتات والطيور، حينما تشاهدها تخال أن محترفًا وراء هذه الصور، والحقيقة أنهما هاويتان تعلمتا فن التصوير من التجربة والخطأ.
عين وراصد
"ماندي" هي العين الناقدة التي تلتقط المشهد الجميل، و"لارا" هي المصورة الناجحة التي تقتنص الصورة بعدستها، هكذا تكمل التوأمان الأدوار، فتدعا الإبداع يتحدث عن الصورة بعيدا عن الجمود.
عين الكاميرا "لارا" (41 عاما) قالت لـ"فلسطين": "في عام 2005 بدأنا التصوير بشكل عشوائي بكاميرا رقمية بدائية، وفي 2012 اقتنينا كاميرا شبه احترافية لنصور أي شيء يظهر جمال غزة للعالم، بعيدا عن الحصار والدمار".
وأضافت: "نعشق تصوير الطبيعة، ورويدا رويدا اتجهنا نحو تصوير التنوع الحيوي، حيث نتوجه إلى البحر، ووادي غزة، وبرك معالجة مياه الصرف الصحي التي تنتشر فيها الطيور المائية والبرية، لقد طفنا القطاع من جنوبه حتى شماله".
وتابعت: "لا نكتفي بالتقاط الصور، بل أصبحنا نتابع هجرة الطيور الأولى والثانية، حيث ترصد نصفي الثاني (ماندي) حركة الطيور من خلال سماع أصواتها، ومراقبة حركتها بالمنظار، تتبع الطيور بعدستها حتى تحدد لي المكان من ثم أقوم أنا بالتقاط الصورة".
ولتدعيم الصور بحقائق علمية، تقرأ التوأمان الكتب، وتصفحا مواقع الإنترنت التي تتحدث عن التنوع الحيوي في فلسطين، وتسألان الخبراء في مجال التنوع الحيوي للاستفادة أكثر من معلوماتهم، ومعرفة ما تجهلانه من أسماء الطيور والنباتات.
الطبيعة والموهبة
وأكدت "لارا" أن الهدف من التصوير نقل الطاقة الإيجابية للغزيين، خاصة من لا يرون أي جمال في غزة، وبصورهما تؤكدان أن في هذه البقعة المحاصرة شيءٌ يحتاج إلى عيون جميلة لتراه.
وأشارت إلى أن منصات التواصل الاجتماعي حققت الانتشار الأوسع لصورها على مدار خمس سنوات، ودفعت بعض الخبراء والمختصين سواء في التصوير أو التنوع الحيوي لمتابعة صفحتهما ومنحهما بعض المعلومات، مع توجيه الانتقادات الإيجابية.
درست التوأمان "علم الاجتماع والعلوم السياسية"، بعيدا تماما عن هوايتهما في التصوير، الذي توجهتا نحوه بفعل عشقهما للطبيعة، ولكونه يمنحهما الفرصة للتفريغ النفسي.
وعن تعلم التصوير، قالت لارا: "الإبداع في التصوير يتطلب وجود موهبة، ومع المحاولة والتجارب الذاتية والتعلم بالمحاولة والخطأ يتطور المصور، ومع الممارسة يصبح لديه عين ناقدة".
وأضافت أن التصوير يحتاج إلى عين ناقدة تُظهر جمال المشهد، ومصور ناجح حتى لو كان هاويا، ليترك الصورة على طبيعتها دون أي تعديلات، فالإبداع ألا تكون الصورة جامدة مفتعلة، من وجهة نظرها.
صورٌ لأول مرّة
والجميل في "ماندي ولارا" روح الشباب وحبّهما لما تقومان به، رغم تخطيهما العقد الرابع من عمرهما، فتقابلان استهزاء البعض "معقول بتجروا ورا الطيور والنباتات وفي أماكن المجاري؟!، بأن العمر ليسا رقما، ولكن المهم هو منح النفس طاقة إيجابية في خضم الأمور السلبية المحيطة بها.
والسعادة، كما تؤكد "لارا"، تبلغ أوجها حينما يخرج الإنسان عن المألوف ويفعل ما يحب، وليس هناك عمر يحد من السعادة وممارسة الهواية.
وعما يميزهما، قالت: "ما يميزنا أننا توأم، والأمر الآخر المجهودات الذاتية في التصوير والبحث عن كل ما هو غريب وجميل، والأهم هو توجهنا نحو التنوع الحيوي وتوثيق وجود أنواع من الطيور والنباتات، وهذا المجال لم يطرق بابه إلا القليل جدا في الضفة والقطاع".
وأضافت: "ومن الطيور الغريبة التي قمنا بتصويرها لأول مرة في فلسطين، طائر السبت الأوروبي، هو طائر ليلي ولكننا صورناه في النهار، ولأول مرة يوثق وجوده في النهار، وذلك بشهادة خبير في الضفة"، لافتة إلى أن بعض المجلات الفلسطينية المهتمة بالتنوع الحيوي، استعانت بصورها، خاصة الغريبة منها كنبات القزحة البري، وطائر الدور الإسباني الذي يُصور لأول مرة في غزة.
وعبرت عن طموحها بالمشاركة في معرض لعرض صورهما عن التنوع الحيوي، للوصول بها إلى مستوى عالمي، لتصبحان من مصورات الحياة البرية.