قائمة الموقع

​"تحت الفحص".. سياسة إسرائيلية ممنهجة لقتل مرضى غزة

2018-01-16T06:25:00+02:00
حاجز بيت حانون "إيرز"

على سرير الشفاء في مستشفى عبد العزيز الرنتيسي بمدينة غزة، يرقد محمد الضعيفي (55 عاماً)، ويخرج من وريد يده اليمنى "أنبوب طويل" تتصل نهايته بـ "كيس مملوء بالدم" أو ما يُعرف بوحدة الدم، منتظراً موافقة الاحتلال لانتقاله لإحدى المستشفيات بالأراضي المحتلة عام 48.

يعاني الضعيفي من سرطان الدم أو ما يُعرف بـ "اللوكيميا" منذ عام تقريباً، انتقل على إثره لأحد مستشفيات مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، لتلقي العلاج اللازم له، نظراً لعدم توفره في قطاع غزة.

انتهت رحلة علاجه هناك وعاد إلى غزة في ظروف صحية أفضل، لكن فرحته لم تدم طويلاً، فبعد 4 شهور أصابه المرض مرة أخرى من جديد، وهو ما وصفه الأطباء بـ "انتكاسة مبكرة"، وفق ما روى الضعيفي.

ويروي الضعيفي لصحيفة "فلسطين"، أنه اضطر للعودة إلى أسرّة المستشفى من جديد، لتلقي العلاج اللازم، الأمر الذي أجبره على البقاء فيها، ووضعه تحت المراقبة.

هنا بدأت حكاية المعاناة تتجدد لدى الخمسيني، حينما أقرّ الأطباء ضرورة تحويله للأراضي المحتلة عام 48 لتلقي العلاج، بسبب سوء حالته الصحية، ورفض الاحتلال الاسرائيلي سفره عبر حاجز بيت حانون شمال القطاع.

"6 مرات وأنا أحاول أن أسافر لكن يتم رفضي من الاحتلال، والسبب تحت الفحص" هو عبارة أراد الضعيفي من خلالها تلخيص معاناة السفر والرفض الاسرائيلي وعدم الاهتمام به، رغم خطورة حالته الصحية".

في تلك اللحظات، تدخل صديقه المُقرّب الذي يجلس بجواره، علي أبو عتيلة، للحديث أكثر عن ذلك، بسبب عدم قدرة الضعيفي على استكمال الحديث لصعوبة وضعه الصحي، قائلاً إن "المخابرات الاسرائيلية طلبت مقابلة محمد يوم ميعاد سفره في أول شهر ديسمبر الماضي، على حاجز (إيرز).

ويضيف أنه توجه برفقة زوجته للمعبر الساعة التاسعة صباحاً، وبقي في العراء حتى المساء، دون مراعاة لوضعه الصحي، لافتاً إلى أنه مكث في المقابلة 4 ساعات متواصلة.

ويكمل أن الاحتلال أعطى وعوداً "كاذبة" بإعطاء محمد تصريح الدخول "لكن لم يتم ذلك"، ثم عاد للقطاع، الأمر الذي فاقم معاناته، دون علمهم عن أسباب الرفض، مشيراً إلى أن الاحتلال يبعث برسالة للمريض أن مسألة إصدار التصريح "تحت الفحص".

"كفى تلاعباً بمعاناة المرضى" بهذه الجُملة اختتم أبو عتيلة حديثه، مطالباً بضرورة التحرك الجدي لإنقاذ حياة صديقه محمد وأمثاله.

لم يختلف الحال لدى الطفلة ملك طباسي (5 أعوام) التي أصابها ورم في الكلى، في عام 2015، أدى إلى تدهور حالتها الصحية.

أنوار طباسي (34 عاماً) والدة الطفلة ملك، تقول لـ "فلسطين"، إن طفلتها أصيبت بالمرض قبل عامين تقريباً، نُقلت على إثرها للعلاج في مستشفى "تل شومير" في (تل أبيت) في الأراضي المحتلة عام 48.

وتذكر أن "ملك" أجرت عملية زراعة نخاع، وتلقت علاجًا، أدى إلى تحسن وضعها الصحي، ثم عادت إلى قطاع غزة بعدها، ومعها أدوية تكفي لمدة أربعة شهور.

وتضيف طباسي التي تقطن في خان يونس جنوب القطاع، أن العلاج الذي تلقته في المستشفى الاسرائيلي، غير متوفر في غزة أو الضفة، "وبعد انتهاء الـ 4 شهور عادت ملك لحالتها الصحية الصعبة"، وفق قولها.

وتشير إلى أن ملك اضطرت للمكوث على أسرّة مستشفى الرنتيسي بغزة، نتيجة تدهور حالتها الصحي، حيث أقرّ الأطباء تحويلها للعلاج في الخارج "لكن الموافقة اصطدمت بالرفض الاسرائيلي".

"تحت الفحص" هو المصطلح الاسرائيلي الذي تلقته والدة الطفلة قرابة الـ 15 مرة منذ بداية عام 2017، الأمر الذي ضاعف تدهور الحالة الصحية لملك، ونحافة جسدها وفقدانها 4 كيلو من وزنها.

"نفسيتنا تعبانة وعاجزون عن عمل أي شيء لها" هكذا تصف أنوار، حزن العائلة على الطفلة ملك، بعد المنع الاسرائيلي من جهة، وسوء الأوضاع الاقتصادية التي تعاني منها من جهة أخرى، مضيفة: "تداينت أكثر من 3 آلاف شيكل لعلاج ملك".

وبصوت ملؤه الألم والحسرة، تطالب طباسي، الجهات المختصة بضرورة التدخل لإنقاذ حياة طفلتها قبل فوات الأوان، والسماح لها بالخروج عبر حاجز بيت حانون لتلقي العلاج.

الحكاية الأخرى من الوجع والألم للطفل محمد أبو خطاب (5 أعوام) الذي يعاني من مرض تخثر في الدم منذ أكثر من عام.

ويتحدث حامد أبو خطاب لـ "فلسطين" والد الطفل محمد، أن الأطباء في غزة قرروا تحويل ابنه للعلاج في مستشفيات الضفة، لكن الاحتلال منعه من السفر 6 مرات تحت مبرر "تحت الفحص".

ويُشير أبو خطاب، إلى أن آخر موعد للسفر كان في شهر أغسطس من العام الماضي، وتم رفضه من الاحتلال، تحت ذات المبرر، لافتاً إلى أن حالة ابنه الصحية تزداد سوءاً يوماً بعد يوم.

ويبيّن أنه يحاول عمل إجراءات تحويل ابنه إلى مصر، لكن إغلاق معبر رفح وقف سداً منيعاً أمامه، معرباً عن أمله أن يتم فتح المعبر، ليتمكن من السفر لعلاج ابنه محمد.

ابتزاز المرضى

من جانبه، قال مدير مستشفى الرنتيسي د. محمد أبو سلمية، إن الاحتلال يحرم عدداً كبيراً من المرضى من تلقي العلاج في مستشفيات الداخل المحتل والضفة والقدس، تحت "حجج واهية".

وأوضح أبو سلمية لـ "فلسطين"، أن الاحتلال يمارس سياسة الابتزاز لبعض المرضى، عبر إخضاعهم لمقابلة مخابراته، ومن ثم إعادتهم لغزة، منوهاً إلى أن "خطورة الفحص الأمني بإمكانية تمديدها لعدة شهور".

ووصف الأوضاع الصحية في القطاع بـ "المأساوية" نتيجة منع الاحتلال سفر المرضى، والنقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، مشيراً إلى أن استمرار سياسة المنع الاسرائيلية تهدد حياة الكثيرين من المرضى.

وحذر من استمرار سياسة المنع ضد المرضى، كونها تزيد من معاناتهم، وتنذر بزيادة أعداد الوفيات في القطاع، مبيّناً أن نقص الأدوية دفعهم لاستخدام المخزون الاستراتيجي الذي يشارف على الانتهاء و"هذا يشكّل ناقوس خطر على حياة المرضى".

ولفت إلى أنهم تواصلوا من مع منظمة الصحة العالمية واللجنة الدولية للصليب الاحمر ومؤسسات حقوق الانسان لإنقاذ هؤلاء المرضى "لكن لم نتلقى أي إجابات حتى اللحظة"، داعياً إياهم للضغط على الاحتلال للسماح بدخول المرضى.

وطالب أبو سلمية، وزارة الصحة في رام الله بضرورة توفير الأدوية لقطاع غزة، مناشداً السلطات المصرية، لفتح معبر رفح الذي يمثل الشريان الرئيس للمواطنين في غزة، من أجل تمكين المرضى من السفر لتلقي العلاج.

اخبار ذات صلة