فلسطين أون لاين

أمن السلطة يجهض غضبة القدس ويطعن ظهر الشعب

غريبٌ جدًّا ما يجري في مدن وبلدات الضفة الغربية، ومستنكرٌ جدًّا ما تقوم به أجهزة السلطة الأمنية في الأوساط الشعبية الفلسطينية، إذ في الوقت الذي نطالب فيه دول العالم والمؤسسات الدولية والهيئات الأممية بالوقوف معنا وإلى جانبنا ضد قرار ترامب الأخير بحق مدينة القدس، الذي قضى بها عاصمةً للكيان الصهيوني، وضد السياسات الأمريكية المنحازة كليًّا إلى الاحتلال الإسرائيلي؛ تطالعنا أجهزة أمن السلطة الفلسطينية بسلسلةٍ طويلةٍ من الإجراءات التعسفية والممارسات الاستفزازية بحق قطاعاتٍ مختلفةٍ من أبناء شعبنا الفلسطيني، الذي يعاني من نير الاحتلال، ويقاسي ويلات الحصار والجدار، ويواجه بثباته ووجوده الأطماع الصهيونية اليمينية المتشددة، وأحلام المستوطنين الجشعة.


مع أن الشعب الفلسطيني في حاجةٍ ماسةٍ إلى التماسك والوحدة، وإلى الائتلاف والوفاق والاتفاق، وإلى التنسيق والتنظيم والتفاهم، وحاجته الطبيعية والمنطقية في ظل الأحداث المتصاعدة والتحديات المحلية والدولية المتفاقمة إلى قيادةٍ وطنيةٍ موحدةٍ عاقلةٍ رشيدةٍ واعية، تأخذ بيده إلى بر الأمان، وتسوقه وسط الأنواء والعواصف السياسية والأخطار الأمنية والعسكرية نحو أهدافه الوطنية، ما يحفظ تضحياته ويحمي ثوابته التي يناضل من أجلها، ويقاوم في سبيل الحصول عليها؛ تعمل أجهزة أمن السلطة على الضد من ذلك، وتخطط لإفشال أي مساعٍ وطنيةٍ عامةٍ أو جهودٍ فرديةٍ خاصةٍ، للحيلولة دون نجاح الشعب في تأطير قيادته الموحدة للانتفاضة، وإبطال أي مسعى له لتنظيم الفعاليات اليومية والتنسيق بين الأطراف الوطنية الفاعلة، وكأنها لا تريد للشعب أن يهب لمواجهة قرار الرئيس الأمريكي، ولا ترغب بأن ينجح في إبطال القرار أو أن يتصدى له، وكأنها تلتزم تجاه المجرم باتفاق، وتتعهد للمعتدي بضمان عدم إغضابه أو إزعاجه.


تقوم الأجهزة الأجهزة الأمنية الفلسطينية بحملاتٍ واسعة لاستدعاء النشطاء الفلسطينيين لمقابلة ضباطها للتحقيق معهم، وأخذ التعهدات منهم لضمان عدم مشاركتهم في أي أنشطةٍ أو فعالياتٍ احتجاجيةٍ، في الوقت الذي تقوم فيه باعتقال العشرات من الشبان المدنيين والطلاب الجامعيين، كما تقوم باقتحام البيوت والمنازل، وانتهاك حرمة المواطنين والآمنين، في تقليدٍ سافرٍ للاحتلال الإسرائيلي، الذي اعتاد انتهاك الحرمة الفلسطينية، ولكننا لا نعيب عليه فعله، فهو احتلال غاشمة، ولا ينتظر أحدٌ من محتلٍّ خلقًا أو لينًا ورفقًا، ولكننا نستنكر ونستغرب أن تقوم سلطةٌ وطنيةٌ بمثل أفعال العدو وممارساته.


هل تريد السلطة الفلسطينية أن تنهي الاحتجاجات الشعبية، وأن تحبط الهبة الجماهيرية، وأن تقضي على حلم الفلسطينيين بابتداع انتفاضةٍ شعبيةٍ ثالثةٍ، لها أهدافها ولديها غاياتها، لهذا هي تعتدي على التظاهرات والمسيرات، وتحاول قمع المحتجين وتفريق جموع المتظاهرين، في الوقت الذي لا تنكر فيه استمرارها في عمليات التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، الذي تقوم أجهزته الأمنية يوميًّا بمداهمة البيوت والمنازل واعتقال عشرات الفلسطينيين من كل الفئات العمرية والانتماءات السياسية ومن كلا الجنسين، فضلًا عن الصبية والأطفال الذين لم يبلغوا بعد عامهم السادس عشر؟!


إننا نشعر بالكثير من الحياء والخجل ونحن نطالب الشعوب العربية والإسلامية بأن تقف معنا وتساندنا، وأن تؤازرنا وتنصرنا ضد السياسات الأمريكية الظالمة والممارسات الإسرائيلية الجائرة، في الوقت الذي فيه أجهزتنا الأمنية، التي يفترض أنها أجهزة وطنية تتبع السلطة الوطنية، وتدعي أنها لخدمة المواطنين الفلسطينيين والسهر على راحتهم، وأنها لا تقوم أبدًا بأي عملٍ من شأنه الإضرار بالمصالح الوطنية الفلسطينية، وأنها لا تأتمر بأوامر الاحتلال ولا تنفذ سياسته، ولا تتستر على جرائمه وتسكت عن مخططاته؛ هي عكس ما تدعي ونقيض ما تقول.


على السلطة الفلسطينية أن تعلن ولاءها لشعبها الفلسطيني، وأن تجاهر بمواقفها الوطنية التي يفترض بها أن تتخذها في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ شعبنا ومسيرة أمتنا، وعليها أن تكون إلى جانب شعبها، وأن تصطف معه، وأن تكون له قوةً تحميه وسلطةً تدافع عنه، وأن تمنع أي تغولٍ عليه أو استفرادٍ به، وإلا فإن شعبها لن يغفر لها جريمتها، ولن يرحمها على فعلتها، والتاريخ دومًا يحفظ سير الأبطال وقرارات الوطنيين، كما يحفظ دائمًا أسماء المتخاذلين وسير المتعاونين والخائنين.


أيضًا يجب على السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية إلى جانب إعلان الولاء للشعب والأمة أن تعلن البراءة من العدو الصهيوني ومن كل ما يمت له بصلة، أو يتعاون معه ويسانده، أو يؤيده وينصره، إذ لا معنى ولا مسوغ اليوم ولا بأي حالٍ من الأحوال لاعترافٍ بالعدو، أو تعاونٍ وتنسيقٍ معه، كما لا معنى لقبول الولايات المتحدة الأمريكية وسيطًا لسلام، وراعيةً للعملية السلمية، إذ إنها أصبحت بقرارها الأخير وسياساتها الدائمة، القديمة والجديدة، شريكًا مع الكيان الصهيوني، تماثله في العدوان والاعتداء، وفي الغصب والظلم، وفي إرساء مفاهيم العنصرية والكراهية، وفي زرع بذور الفتنة والحقد وإشعال نيران الحروب بالمنطقة.


جريمةٌ كبيرةٌ تلك التي ترتكبُ في حق الشعبِ الفلسطيني الشريف الأبي، الثائرِ الحرِ، المقاومِ المنتفض، الغيور الجسور، الذي انتفض بشبابه وثار بشيوخه وخرج بنسائه وأطفاله، وقاوم بروحه وجسده ونفسه وماله، غير آبهٍ بجبروت العدو، وغير خائفٍ من قوته وسلاحه، وغير مترددٍ في مواجهته ومقاومته، إذ يسكنه اليقين بالنصر، ويملؤه الاعتقاد بالغلبة والتمكين، فعجز العدو عن قمعه، وفشل في إسكاته، ولم تتمكن كل أدواته من النيل من عزيمته وإرادته.


فقد أعيا العدوَ صبرُه، وأتعبه ثباتُه، وأضناه يقينُه، وفت في عضده تضحياتُه، وأعجزه صمودُه، وبثَّ الرعبَ في قلوبِ جنوده إقدامُه، وهزم نفوسَهم استعدادُه، فحرامٌ على سلطةٍ هذا شعبها، وهؤلاء الصيد الأباة الكماة الأبطالُ أبناؤها أن تنقلب على ثورتهم، وأن تجهض انتفاضتهم، وأن تخونهم وتطعنهم بخنجرها في القلب أو الظهر، خدمةً للعدو وسعيًا إلى نيل رضاه الذي لا يدرك، وأملًا في عدله المستحيل، فهذه الطعنات لا تصيب الشعب فقط بمقتلٍ، بل تصيب القدس والأقصى والوطن والأمة.