فلسطين أون لاين

في مصر..

في مصر.. تحف فنية تخرج من بين "النار" و"المعاناة"

...
القاهرة - الأناضول

اخل إحدى الورشات القديمة في محافظة الإسكندرية شمالي مصر، ينهمك 6 عمال في تشكيل لوحات فنية، وتحف تحولت إلى مشاهد تسر الناظرين، بعد رحلة طويلة من المعاناة بين ألسنة اللهب ورائحة التراب والمعادن.

هذه التحف التي يتم استخدامها لاحقاً في أثاث المنازل والمكاتب والمؤسسات والقصور، ما كان لها أن تكون إلا بعد أن تصبب عرق عمال الورشة، وهم يصنعون القوالب المعدنية، التي ستأخذ شكل التحفة المراد صناعتها.

يُمسك أحد العمال القالب بعناية، ويغطي جوانبه بتراب أسود، مهمته الحفاظ على قالب التحفة، منضبطًا دون عيوب أو شوائب، كما يروي عبد الناصر عبد العزيز، صاحب الورشة لوكالة "الأناضول" للأنباء.

وتنغمس أيادي العمال بين التراب والقوالب المعدنية فيما يغطي سواد الدخان المنبعث من ملابسهم، فتخرج تحفاً تستعمل في أذرع النجف (قطعة مليئة بالأضواء) وإكسسورات خاصة لديكور الأثاث.

في زاوية أخرى من المكان، لا يلقى أحد العاملين في الأربعين من العمر، بالًا لألسنة لهب كبير ينبعث من بوتقة فرن لها عمق لا تهدأ فيها النار، مكتفياً برمي قطع من النحاس قطعة تلو الأخرى، ليصنع تحفاً جميلة، استمر في صناعتها عدة ساعات.

وتحتاج عملية صهر القطع النحاسية الملقاة داخل الفرن والمسماة بالخردة (المعادن غير المستخدمة)، إلى نحو 3 ساعات بالتزامن مع إعداد قوالب معدنية تحتوي شكل التحفة المقررة.

وبعدها يقوم العمال برص عشرات القوالب المعدنية على بعد أمتار قليلة من بوتقة النيران الملتهبة، ويبدأ وقتها عامل الفرن بحمل سائل نحاسي منصهر بملعقة حديد كبيرة من قلب الفرن، ويتجه بحرص شديد نحو القوالب ويبد في سكب السائل بحرص أكبر، حتي يمتلئ القالب المعدني بالسائل.

ويكرر عامل الفرن هذه العملية شديد الصعوبة التي اعتاد عليها في سنوات عمله، كما يروي وكالة "الأناضول" للأنباء، في الوقت ذاته ينقل أحد العمال كل قالب تم تعبئته بسائل النحاس المنصهر لمكان آخر، حتي تكتمل صفوف القوالب.

وبعد تبريد القوالب في زاوية أخرى من ورشة صهر النحاس، يقوم عامل جديد بتفريغ القالب الذي يكون قد حمل شكلًا لتحفة ذات لون يبدو ذهبيًا لامعًا، فيضع التحفة في إناء معدني أكبر، ويفرغ التراب الأسود الذي كان يحيط بالقالب المعدني، لإعادة تدويره مرة أخري، وفي الوقت ذاته، ينقل عامل آخر أشكال التحف لبدء تنقيتها من الأتربة ووضعها في أجولة لبيعها للتجار.

وتلك الصناعة اليدوية، بحسب عبد العزيز الذي ورثها أباً عن جد، بدأت تواجه عقبات أهمها غزو المستورد الأجنبي المتمثل بالتحف الصينية (قليلة السعر)، وما تنتجه المصانع الكبيرة، لافًتا إلى أن العمال يعانون مع ارتفاع الأسعار، في وقت يتلقون فيه راتبا ثابتا يقدر بنحو 70 جنيهًا يوميا (أقل 10 من دولار).

وأوضح أن ثمن كليو الخردة من النحاس يتراوح من 25 - 26 جنيه (أقل من 4 دولار)، فيما يتم تسليم كميات التحف المطلوبة للتجار بسعر40 جنيه ( 5 دولار) للكيلو، ويتم استغلال فارق الشراء والبيع في تغطيات نفقات الورشة والرواتب.