ينشأ أطفال القدس بين حواجز الاحتلال وفوهات بنادقه، وفي هذه البيئة تنمو أحلامهم وطموحاتهم، فلم تعد الأماني الشخصية للأطفال من ملاعب وملاه هي همهم الأكبر، بل الانعتاق من قهر الاحتلال، يلخص مسؤول ملف المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال في فلسطين عايد أبو قطيش أوضاع الأطفال المقدسيين تحت وقع الاحتلال.
يؤكد أبو قطيش لصحيفة "فلسطين" أن لانتهاكات الاحتلال لحقوق الأطفال الفلسطينيين في مدينة القدس المحتلة صورًا متعددة، تفضح كذب ادعائه الالتزام بالقانون في معاملتهم.
ويبين أبو قطيش أن المدة الأخيرة كشفت وجه الاحتلال الحقيقي تجاه الأطفال في القدس المحتلة، ما يمثل انتهاكًا صارخًا لكل القوانين والأعراف الإنسانية، دون أي محاسبة تذكر من أي طرف دولي.
ويلفت إلى توثيق إحصاءات تؤكد أن أطفال القدس خلال العام الماضي طالتهم اعتقالات بالجملة، وأخضعهم جنود وضباط الاحتلال الإسرائيلي للتحقيق العنيف، فضلًا عن الإيذاء النفسي والبدني.
ويشدد على أن الاحتلال لا يتورع البتة في إطلاق يد جنوده للاعتداء على هؤلاء الأطفال، الذي من الممكن أن يصل في نهايته إلى إنهاء حياتهم، وذلك بإطلاق الرصاص الحي والمطاطي أو ما بات يعرف أخيرًا بالرصاص الإسفنجي، بحجة مشاركتهم في مسيرات أو احتجاجات أو اعتصامات شعبية، مشيرًا إلى استشهاد أطفال فعليًّا وإصابة المئات نتيجة ذلك.
ويضيف أبو قطيش: "الاحتلال لا يحترم الطفل الفلسطيني المقدسي مع توقيعه الاتفاقيات الخاصة باحترام حقوق الأطفال"، مؤكدًا أن استهداف أطفال القدس المحتلة والضفة الغربية وإساءة معاملتهم أصبح سياسة ممنهجة للاحتلال.
ويبين أن إفادات موثقة أخذت من شهادات حية لأهالي أطفال مقدسيين أخضعوا من بعد اعتقالهم لتحقيق عنيف وقاس، بأسلوب يمكن أن يؤدي إلى انتزاع اعترافات من الطفل تخدم المحقق وتشكل دليل إدانة أساسي أمام قضاء الاحتلال، ليجد الطفل أنه من بعد ذلك أضحى أسيرًا بحكم تبلغ مدته ربما سنوات طوالًا.
ويلفت أبو قطيش إلى أن الأطفال يواجهون منذ اللحظات الأولى لاعتقالهم مرورًا بأيام التحقيق عدم وجود أي قانون يكفل لهم الحماية، ما يجعلهم فريسة أمام ضباط تحقيق الاحتلال.
"انتقادات فقط"
ووفقًا لبيانات لجنة أهالي الأسرى المقدسيين يقبع في سجون الاحتلال حاليًّا 75 طفلًا مقدسيًّا في سجن "مجدو"، وطفلتان في سجن (هشارون)، في حين يخضع 20 طفلًا للحبس المنزلي.
ويعتقل كيان الاحتلال _حسب إفادة مؤسسة نادي الأسير الفلسطيني_ نحو 300 طفل من عموم مدن الضفة الغربية والقدس المحتلة، وقد تكثفت الهجمة الاحتلالية تجاههم بصورة واضحة خلال الأسابيع الأخيرة.
ويكشف مسؤول ملف المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال أن نحو 90% من الأطفال الذين يعتقلون في القدس والضفة المحتلتين يتعرض لهم بالاعتداء اللفظي والإذلال جنود الاحتلال، و82% منهم يجردون من ملابسهم في أثناء التفتيش، مع الضرب البدني.
ويذكر أنه في خضم سياسة القهر المنفذة تجاه الطفل المقدسي ابتدع الاحتلال ما يعرف بالحبس المنزلي، إلى أن يثبت "براءة الطفل أو إدانته"، بأي تهمة تسوقها شرطته، لافتًا إلى أن مدة هذا الحبس المنزلي يُحرم فيها الطفل التعليم والحق في الحرية، إلى جانب أن هذه المدة لا تحسب له ضمن مدة العقوبة، أي يعاقب الطفل "مرتين".
ويبين أبو قطيش أن الاحتلال لم يتورع أيضًا عن محاكمة الأطفال المقدسيين أمام محاكم عسكرية، مؤكدًا أن هذه المحاكم كما المدنية منها في كيان الاحتلال تغيب فيها العدالة، إذا كان المتهم مقدسيًّا أو فلسطينيًّا بوجه عام.
وإلى جانب ذلك _حسبما يذكر_ ينتهج الاحتلال سياسة الغرامات المالية تجاه الأطفال المقدسيين إذ تصل إلى مئات آلاف الشواكل، بهدف تحقيق أقصى درجة من المعاقبة لذوي الطفل، وتعويض مستوطني الاحتلال.
ويلفت إلى أن هذا النهج العقابي للأطفال الفلسطينيين _لاسيما المقدسيين_ تواجهه الأطراف الدولية القانونية بانتقادات فقط، دون ترجمتها على الأرض إلى أدوات عملية ضاغطة على الاحتلال لوقف ما يقترف بحق الأطفال، وإلزامه بالاتفاقات الدولية واتفاقات حقوق الإنسان.
ويطالب أبو قطيش بالعمل فلسطينيًّا على الصعيد الرسمي والأهلي والقانوني لوضع خطط عملية لتقديم كل ما يدين الاحتلال في انتهاكاته بحق أطفال القدس والأطفال الفلسطينيين، والعمل على فضح جرائمه بحقهم.