تأتي خطوة عقد المجلس المركزي للمنظمة التحرير, في أجواء المصالحة المتعثرة بمثابة رسالة بأن الهرم القيادي في السلطة الفلسطينية ما زال بعيدًا عن ترتيب البيت الفلسطيني, ولا يكترث لتطبيق اتفاقية الحوار الوطني في القاهرة 2011م, التي تنص على إعادة هيكلة منظمة التحرير وتطويرها لتصبح مرجعية فلسطينية وطنية تضم كافة أطياف الشعب الفلسطيني, وتعمل على قيادة المشروع الوطني التحرري, ولذا فإن المطلوب للوصول إلى هذه الغاية الفلسطينية الملحة, هو عقد الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير, وهذا ما تم تجاوزه في كافة اتفاقيات المصالحة الفلسطينية المتعاقبة, حيث للأسف كان المطلوب من المصالحة هو الإقصاء وليست الشراكة الوطنية, وهذا ما يتضح خلال تطبيق تفاهمات القاهرة أكتوبر 2017, إذ التلكؤ هو المشهد الأبرز والحجة عدم التمكين, مع استمرار العقوبات القاسية التي تفرضها السلطة, وتؤثر بشكل ملحوظ على مختلف نواحي الحياة في قطاع غزة.
عقد المجلس المركزي المقرر يومي (14-15) يناير الحالي, إمعانًا بسياسات التفرد والإقصاء, وإشارة إلى أن فريق السلطة وحزبها, يعتزم السير منفردًا في مواجهة أصعب وأخطر مرحلة تمر بها القضية الفلسطينية, متخليًا عن أسلحة فلسطينية مهمة متمثلة بالوحدة الوطنية والمقاومة, ومتمسكًا بالعملية التفاوضية كخيار فاشل وممعن في الخيبة, ولن يأتي منه إلا مزيد من الإذلال والتيه في مفاوضات عقيمة, تقضم جرافات الاحتلال خلال ما تبقى من أراضي, وتسعى قوانين الكنيست الصهيوني في تهويد المدن الفلسطينية, فأين الحكمة في التخلي عن الوحدة؟ وأين الحنكة في رفض ترتيب البيت الفلسطيني؟ الذي يجب أن يكون على أسس وطنية, تعتمد الحق الفلسطيني معيارًا للرؤية السياسية الجامعة للكل الفلسطيني, وما هو الدهاء السياسي الغير معلوم ويتباهى به أقطاب السلطة في تخليهم أو تجريمهم للمقاومة التي تعبر عن النداء الفطري والديني والوطني والإنساني للتخلص من الاحتلال؟!
يمكن تفسير دعوة حركتي حماس والجهاد الإسلامي, لحضور اجتماعات المجلس المركزي لمنظمة التحرير, من قبيل حرق المراحل وتسجيل النقاط في ميدان السياسة الفلسطينية الداخلية, وإذا رفضت الحركتان المشاركة سيشار إليهما بأنهما يرفضان المشاركة في اجتماعات مصيرية, ستصدر عنها كما يروج قرارات مهمة, وهذا الترويج يسبق كافة اجتماعات قيادة السلطة والمنظمة في العادة.
حماس وعبر د. موسى أبو مرزوق, قدمت اقتراح لعقد المجلس المركزي في العاصمة اللبنانية, ورحبت لبنان بذلك على لسان رئيس المجلس النيابي نبيه بري, السلطة رفضت ذلك وأصرت على عقد الاجتماع في مدينة رام الله المحتلة, التي تدخلها قوات الاحتلال في كل ليلة على مرأى ومسمع الأجهزة الأمنية, لتمارس مهمتها الليلية في اعتقال الشبان الفلسطينيين.
هل المطلوب من حماس والجهاد الحضور كشهود أو ضيوف أو مراقبين لاجتماعات المجلس, علمًا بأنهما يمثلان قوة مؤثرة ورئيسية, في الصراع مع الاحتلال الصهيوني والدفاع عن القضية الفلسطينية, وإذا كان هناك حرص على مشاركتهما فلماذا لم تعقد اجتماعات تمهيدية تسبق انعقاد المجلس المركزي, يتم خلالها الاتفاق على الرؤية السياسية أو الخطوات الإستراتيجية التي من المهم ترسيخًا في التعامل مع الاحتلال, وإقرار الخيارات اللازمة لمواجهة ما تتعرض له القضية الوطنية من مؤامرات متعددة المشارب والأدوات.
النتائج المتوقعة لاجتماعات المجلس المركزي لمنظمة التحرير لن تخرج من دائرة العملية السياسية التي تتبناها السلطة ورئيسها, ولن تتبنى أي خيارات تتعارض من توجهات السلطة والتزاماتها الأمنية, فلن يكون هناك دعم أو إسناد حقيقي لانتفاضة الجماهير الفلسطينية, ولن يكون هناك تراجع عن خطيئة الاعتراف بـ(إسرائيل), ولن يتوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال فهو من المقدسات! ولن يطرح خيار حل السلطة فهو من المحرمات السياسية, وفوق كل ذلك لن يطبق المستوى السياسي والتنفيذي في السلطة والمنظمة, أي من تلك القرارات, ولنا سابقة بعدم تطبيق قرار المجلس المركزي بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال في اجتماعات أيار 2015م.
هو ما نحتاج إليه استكمال وحدتنا الوطنية وإنهاء الانقسام وآثاره, وتعزيز صمود شعبنا على أرضه, والعمل على توحيد المؤسسات السياسية وترتيبها وإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية وصياغة برنامج وطني شامل, وتصويب العلاقة مع الاحتلال على قاعدة المقاومة وانتزاع الحقوق, وسحب الاعتراف بالاحتلال ورفض كافة إجراءاته التهويدية والاستيطانية وإقرار الحق في مقاومتها بكافة الوسائل والإمكانات المتاحة لدى شعبنا الفلسطيني.