تُراكم المقاومة الفلسطينية قوتها على مستوى الكم والنوع، في محاولةٍ منها لتطوير أساليب الردع الإستراتيجي المتبعة لا سيما من كتائب القسام ضد الاحتلال الإسرائيلي، فهذا الأسلوب – بحسب خبير أمني ولواء عسكري - مستخدم بين الدول للوصول لحالة الردع، بمعنى إذا أردت أن "تحقق الهدوء عليك أن تمتلك القوة القادرة على مواجهة قوة عدوك لتجبره على التفكير ألف مرة قبل أن يدخل في مواجهة معك"، وهو ما يحدث اليوم إذا كان هناك قوة ردع فلسطينية أمام القوة التدميرية الإسرائيلية وهذا ما يمنع (إسرائيل) من تصعيد اعتداءاتها ضد قطاع غزة.
وحملت "معركة العصف المأكول" التي دارت فصولها صيف عام 2014 في 8 يوليو/ تموز لمدة 51 يوما، مفاجآت مختلفة للاحتلال بتنفيذ عمليات إنزال خلف خطوط العدو، وعمليات استهداف الآليات العسكرية وقنص الجنود وإحداث نقلة نوعية في مدى صواريخ المقاومة، والكشف عن طائرات "أبابيل" المسيرة دون طيار.
وكان نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، قال خلال تشييع جنازة سبعة شهداء من أبناء القسام الذين استشهدوا بانهيار نفق في 29 يناير/ كانون ثاني2016 : ""إن قوة القسام أضعاف مضاعفة عن قوتها في العصف المأكول".
واستخدمت المقاومة خلال العصف المأكول صواريخ M75، وصواريخ J80-90، وصاروخ R160 الذي ضرب حيفا، و صاروخ S55، وقذائف الهاون، وراجمات صواريخ 107، غراد والكاتيوشا.
وتمتلك المقاومة في غزة صواريخ موجهة ضد الدبابات والمدرعات منها قاذف: كونكرس، كورنيت، وفونيكس، الفاغوت، والتاندوم، وقاذف RPG وقاذف RPG29 ، SDG9 كما لديها صواريخ سام 7 المضاد للطائرات.
وفي الذكرى الأولى للعصف المأكول أعلنت القسام عن دخول صاروخين جديدين للخدمة لديها، يحملان مواصفات متطورة، الأول: صاروخ من نوع "شمالة" ويحمل الرمز "SH" تيمناً بالقائد الشهيد محمد أبو شمالة، والثاني: صاروخ من نوع "عطّار" ويحمل الرمز "A" تيمناً بالقائد الشهيد رائد العطار.
ويقول الخبير في شؤون الأمن القومي د. إبراهيم حبيب:"إن المقاومة الفلسطينية تدرك أساساً حجم القوة الإسرائيلية، لذلك سعت بالمرحلة الأولى للوصول لمرحلة توازن رعب، وقد وصلت لها بالفعل بالرغم من قلة الإمكانيات التي واجهتها".
وأدركت المقاومة حقيقة قواعد اللعبة مع جيش الاحتلال وهي تعلم تماماً أنه لا يمكنها الدخول في مواجهة مع جيش الاحتلال وذلك قبل عام 2006م، فبدأت تستخدم أسلوب هجين آنذاك بين حرب العصابات والحروب النظامية ، مستخدمةً أسلوب "الضرب والهرب" بحسب حبيب.
ولكن الأمر اختلفَ بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية عام2006، فبدأت تبحث عن أساليب أخرى للتمويه وتصعيب الأمر على الاحتلال، مستخدمةً استراتيجية الأنفاق.
وبشأن لجوء المقاومة لاستراتيجية الأنفاق، بين أن قطاع غزة يُعد منطقة ساقطة عسكرياً على المستوى الجغرافي، لأنه عبارة عن سهل ممتد لا يوجد به أي تضاريس يُمكن أن تشكّل حماية للمقاومة، ويمكن اجتيازه بسهولة لأي جيش نظامي.
إلا أن المقاومة – تبعاً لكلام حبيب - خلقت واقعاً استراتيجياً عقّد الأمر على الاحتلال من خلال استراتيجية جديدة وهي استراتيجية الأنفاق التي تحتاج إلى قوة وشدة والمجازفة ودخول الأنفاق والهجوم، مما شكل مُعضلة وهوس أمني للاحتلال، وهو اليوم يبذل جهداً كبيرا لمواجهته.
تجارب سابقة
وفي السياق نفسه؛ ربطَ بين مراقبة الاحتلال للأنفاق وطرق المقاومة في التمويه، مبيناً أن المقاومة استخدمت تقنيات للتمويه عن فتحات الأنفاق التي كانت موجودة، لأن هناك حالة رصدٍ مستمرة من قبل الأقمار الصناعية والطائرات الإسرائيلية لها، إذ لجأت لعمل فتحاتٍ عامة مكشوفة لعامة الناس ومن ثم تغلقها وتكون قد ردمتها، وقامت بإنشاء فتحات أخرى لا يعمل بها أحد.
ويرى الخبير في شؤون الأمن القومي أن الوصول لحالة الردع يعتمد على ثلاثة عوامل، الأول الثقة بالله والتوكل عليه، والإيمان بعدالة القضية وأننا أبناء قضيةٍ تستحق التضحية من أجلها، والإعداد بأقصى ما تستطيعه أيدي المقاومة وهذه العوامل غير متوفرة للاحتلال.
وبين أن التدريب والعرق الذي يبذل يوفر الكثير من الدماء أثناء المعارك، لذلك تستمر المقاومة في التدريب ولا تتوقف في أي حال من الأحوال وفق برامجٍ محددة.
وذهب للإشارة إلى أن المقاومة الفلسطينية استفادت من تجارب الحروب السابقة الثلاثة، وفي كل مرةٍ كانت تستخلص العبر وتعمل على تعزيز نقاط القوة وتتجنب نقاط الضعف، فمستوى المقاومة في حرب 2009 أقل من وضعها في عام 2012، فيما كان التقدم كبيرا في عام 2014م بقدرتها على فرض قواعد جديدة في اللعبة.
وحسب تقييم د.حبيب أن المقاومة باتت تتبنى "نظرية هجينة" في المواجهة وهي المواجهة شبه النظامية فبدأت بعد أن شكّلت الألوية والكتائب والسرايا، وتمارس أعمالها بين حرب العصابات والطريقة النظامية، لذلك نسميها بالطريقة شبه النظامية وقد حققت إنجازاتٍ كبيرة في هذا الاتجاه.
إنجازات فلسطينية
من جانبه قال الخبير العسكري واللواء المتقاعد واصف عريقات: "إن بناء القدرات وتطوير المهارات جزء من المعركة، وبالتالي إذا كان هناك إعداد جيد للمعارك، فهناك نتائج إيجابية، ذلك أن الإعداد هو 50% من المعركة، والإعداد الجيد أحد مقدمات النصر التي تحسم المعركة".
وأضاف عريقات لصحيفة "فلسطين": "هناك تطور في أداء المقاومة على صعيد الفرد والمجموعات، من حيث الكم والنوع، وهذا حرم الاحتلال من أن يكون له عيون في المنطقة تتابع؛ ومن حيث القدرة على كشف هؤلاء في حفر الأنفاق وفي الإعداد للمعارك".
ويشير عريقات إلى أن الإعداد يجب أن يكون بعيداً عن عيون الاحتلال، الذي يريد معرفة كل شيء عن المقاومة حتى يكون قادراً على مواجهتها، مضيفاً: "حينما يكون ذلك مجهولاً للاحتلال تتضاعف التعقيدات أمام مواجهته للمقاومة مما يمنحها قدرةً أكبر على مفاجأته".
وبشأن اختلاف الإعداد للمقاومة خلال الحروب السابقة، أوضح عريقات أن الأوساط الأمنية في (اسرائيل) تتحدث عن تطورٍ كمي ونوعي لدى المقاومة، سواء كان في بناء القدرات وتطوير مهارات المقاتلين أو الحصول على أسلحة ومعدات وإمكانيات.
وختم حديثه بالقول : "هناك انجازات فلسطينية وإخفاقات إسرائيلية، وبلا شك أن هناك قوة ردعٍ فلسطينية أمام القوة التدميرية الإسرائيلية".