بعد يومين فقط من تصويت حزب الليكود الحاكم في دولة الاحتلال بالأغلبية الساحقة على قرار يقضي بفرض "القانون الإسرائيلي" على المستوطنات وامتداداتها في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، وضمها لدولة الاحتلال، جاء تصديق "الكنيست" أمس، بالقراءتين الثانية والثالثة على قانون "القدس الموحدة"، ما يرى فيه خبراء مساعي من حكومة بنيامين نتنياهو لتثبيت مواقفها من قضايا مهمة عبر صيغ قانونية، تتعارض مع القرارات الدولية.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس، د.سعيد زيداني، إن ما يسمى "قانون القدس الموحدة"، يبين نوايا الاحتلال الإسرائيلي، بعد ما يسمى "توحيد" المدينة وتطبيق القانون الإسرائيلي عليها في 1980.
ويضيف زيداني لصحيفة "فلسطين"، أن حكومة نتنياهو تريد الآن "تحصين هذا الوضع بقانون"، مفسرا بأن الأخيرة تريد بذلك تثبيت موقفها بأنه لا يمكن إنهاء احتلال أي جزء من القدس، وترهن ذلك بموافقة أغلبية ثلثين من أعضاء "الكنيست".
ويمنع ما يسمى "قانون القدس الموحدة"، أي حكومة إسرائيلية من التفاوض على أي جزء من القدس إلا بعد موافقة غالبية نيابية استثنائية لا تقل عن ثمانين عضوا من أصل 120. وقد أيد القانون 64 نائبا مقابل 52 نائبا صوتوا ضده بعد جلسة نقاش استمرت عدة ساعات بشأنه.
ومن ناحية عملية، يوضح زيداني أن سلطات الاحتلال منذ وقت "تحسم" قضايا الصراع من طرف واحد، مبينا أن حكومة نتنياهو "اليمينية" تقول إن القدس المحتلة هي "عاصمة موحدة" لـ(إسرائيل)، على حد زعمها، وتريد إضفاء قانون على ذلك، لا يتغير إلا بموافقة ثلثي أعضاء الكنيست التي ليس من السهل الحصول عليها.
ويشير إلى أن سلطات الاحتلال تسعى إلى وضع صعوبات هائلة أمام أي محاولة لأي حكومة لاحقة إذا فكرت خلال المفاوضات مع السلطة الفلسطينية بإنهاء احتلال أي جزء من المدينة.
وفيما يتعلق بتصويت "الليكود" يبين زيداني أنه لم يتحول إلى قانون بعد، لكن ذلك يبين مطامع هذا الحزب بضم بعض المناطق بشكل انتقائي وهو يريد ضم المستوطنات، لكنه يعتقد أنه إلى جانب هذه المطامع هناك "حسابات سياسية" ستفكر بها حكومة الاحتلال على المستوى المحلي والعربي والدولي.
وتأتي هذه التطورات بعدما أعلن دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي، في السادس من الشهر الماضي اعتراف بلاده بالقدس المحتلة "عاصمة" لكيان الاحتلال الإسرائيلي.
ووفقا لما نشره موقع "0404" العبري أمس، فإن ترامب أكد لدولة الاحتلال من خلال رسالة، عزمه البدء بنقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة العام الجاري.
ويرى الخبير في الشأن السياسي، عزيز كايد، أن "كل الأحداث مترابطة ببعضها بدءا من قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال ونقل السفارة الأمريكية للمدينة المحتلة، مرورا بقرار حزب الليكود الذي قضى بضم مستوطنات الضفة الغربية وتطبيق القانون الإسرائيلي عليها، ثم قرار الكنيست الذي يعتبر استكمالا لهذه القرارات".
ويؤكد كايد لصحيفة "فلسطين"، أن قرار ترامب "مشجع" لكل أطراف الاحتلال الإسرائيلي، سواء الأحزاب أم "الكنيست" أم الحكومة لتمضي قدما بسياساتها تجاه القدس المحتلة والزعم بأنها "عاصمة" لـ(إسرائيل).
ويوضح أن هناك توجها تصعيديا في دولة الاحتلال، على صعيد اتخاذ القرارات و"القوانين" بشكل عنصري، ويأتي كل ذلك بتشجيع أمريكي.
"نتائج كارثية"
ويرجح أن تسن "قوانين" أخرى مستقبلا وتطبقها فيما يخص القدس المحتلة، وما يتعلق بدخول وخروج الفلسطينيين –أصحاب الأرض الأصليين- إليها، وتواجد المؤسسات الفلسطينية والمقدسيين.
وينوه إلى أن الاحتلال يمعن في تهويد القدس بشكل علني على صعيد الأرض والمقدسات والمقدسيين، وهوياتهم وممتلكاتهم في المدينة المحتلة.
وعما إذا كانت قرارات الاحتلال هذه ضمن ما يعرف بـ"صفقة القرن"، وفرض الأمر الواقع، يقول كايد إن سلطات الاحتلال تعمل على ذلك منطلقة مما تملكه من "عناصر قوة" في القدس وسائر الأراضي المحتلة، مقابل "الضعف والتفكك الفلسطيني والعجز العالمي".
وفي حين يشير إلى أن الرأي العام العالمي يصب في صالح الشعب الفلسطيني، فإن كايد يعتقد أنه على أرض الواقع في الضفة الغربية والقدس "لا توجد قوة تستطيع أن تجبر الاحتلال على التراجع عن قراراته".
ويتابع بأن (إسرائيل) تعمل على فرض هذا الأمر الواقع بالقوة، رغم أن الشعب الفلسطيني يرفض أي إجراءات تتخذها الأخيرة.
ويتوقع كايد أن تصعد سلطات الاحتلال من التهويد، لافتا إلى أن القدس تتعرض لحملة شرسة في كل الاتجاهات.
ويحذر من أن المسجد الأقصى قد يتعرض للمزيد من إجراءات التهويد، عدا عن تعرض الشعب الفلسطيني في القدس المحتلة للضغوطات، واعتداءات المستوطنين اليومية بحراسة جيش وشرطة الاحتلال.
كما يحذر من أن نتائج ما يعرف بـ"صفقة القرن" –التي لم يعلن عن بنودها رسميا بعد- ستكون "كارثية" على القدس المحتلة، في ظل مزاعم "دينية وتاريخية يمينية متطرفة" فيما يتعلق بالأقصى، وادعاءات وجود الهيكل المزعوم.
ويقول: "في المدى القريب أو ربما الأبعد قليلا قد تكون هناك إجراءات كارثية تتعلق بالأقصى".
أثر قانوني
على الصعيد القانوني داخل "الكنيست"، يقول أستاذ القانون الدولي في جامعة بيرزيت، د. جوني عاصي، إن "القانون" الذي صوت عليه "الكنيست" له أثر، ويفرض أغلبية عريضة لتغييره.
ويضيف عاصي لصحيفة "فلسطين"، أن خطوة "الكنيست" تفرض الحصول على موافقة "أغلبية كبيرة" للتعديل على هذا "القانون" الذي لا يجيز أي تغيير بالنسبة لوضع القدس التي يعتبرها الاحتلال "عاصمة" له.
وينوه إلى أن سلطات الاحتلال ضمت القدس سنة 1980 "كعاصمة موحدة" لها.
ويشير إلى أن احتمال أن تتوفر أغلبية أخرى في "الكنيست" لتغيير هذا القانون "صعب" التحقق، مبينا أن الاتجاه الموجود حاليا في المجتمع الإسرائيلي هو "الأكثر يمينية"، ورغم شبهات الفساد التي يعاني منها نتنياهو فإنه "لا تزال لديه شعبية في الشارع" الإسرائيلي.
لكن فيما يتعلق بالقانون الدولي، فقرار "الكنيست" باطل –بحسب عاصي- الذي ينوه إلى قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تؤكد أن القدس "إقليم محتل".
ويلفت إلى "فجوة كبيرة" بين موقف حكومة الاحتلال والقانون الدولي.
ويتمم عاصي: "الخطوات التي تتخذها (إسرائيل) تتعارض مع موقف القانون الدولي"، قائلا إن ثمة فجوة كبيرة بينهما، فيما يذكر بالرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في 2004 الذي حدد غزة والضفة وشرق القدس على أنها محتلة.
ويشار إلى أن الكونجرس الأمريكي مرر قانون سفارة القدس عام 1995م، الذي يقضي بنقل السفارة من (تل أبيب) إلى القدس المحتلة، لكن الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ رئاسة بيل كلينتون مرورًا بجورج دبليو بوش كما باراك أوباما لجأت إلى استخدام استثناء تنفيذي، لتأجيل نقل السفارة، "من أجل مصلحة الأمن القومي الأمريكي"، بينما خالف ترامب سياسة أسلافه.