فلسطين أون لاين

حماس تنتصر في معركة الانحياز إلى المبادئ


مرّ أسبُوع كان مِن أشَد ما مرّ على الأمّة قسوَة وحَسرة وقهراً.. نعم، كُل ذلك وأنت تَرى إبادة شامِلة للبشر والشجَر والحجَر بأعتى الأسلحة وأشرّها فتكاً، وهي تُصب القنابل البرميلية والمظلية وأسلحة كيماوية فوق رؤوس شعب بلا أدنى تفريق بين مُقاتلين وآخرين آمنيين.

فلم تكن بالمُطلق عملية عسكَرية، ولا تحمل أيا من معاني العسكرية من فروسية، بل هي عمليات همجيّة قذرة، هذا وصف ما جرى ويجري في حلب الشهباء، وقد طُحنت الأرض طحناً بعد أن جُبلت بالدماء الزكية البريئة المصانة..!

يقود هذه البربرية على الأرض بعد أن تمسحها لهم الطائرات الأجيرة بكل أنواعها (القاذفة، والحربية، والعامودية)، مجاميع مرتزقة من الجهلاء والدهماء، قد قذفت بهم إلى هذه المهلكة عقيدة مخترقة باسم المذهب والطائفة.. منتنة، جاءت بهؤلاء من مجاهيل الأرض؛ ليُدفعوا دفعاً إلى حيث المحرقة الرهيبة والمقتلة العظيمة.

(2)

فإنّ ما يجري في أرض الشام.. فتنة كأكبر ما مرّ بالأمة من الفتن، ليس هناك من حليم إلا وحار في أمرها، وقد التبست عليه الأمور، وأُشكلت أحداثها على أولي الألباب والأفهام، وهي تضرب في طول البلاد وعرضها، خمس سنواتٍ طُويت ولمّا يأكل نارها بعضها بعضاً؛ وقد وجدت كثيراً ما تأكله.

غير الذين هُجّروا إلى المنافي يهيمون على وجوههم في البر وآخرين تتقاذفهم أمواج البحار وأعاليها..

وأمام هذه المحرقة الرهيبة كان لا بُد أن تصدر مواقف رسمية وشعبية تُعبر عن حجم الغضب الذي يعتمل في ضمير هذه الأمّة، ولا بُد كذلك أن يُسجل التاريخ بحروف من نور لكل من أدان بأبلغ الإدانة هذه المذابح، وهتك الحرمات، وتكفير الناس بالإشراك بالله الواحد الأحد.

أجل، فقد صدرت المواقف الكثيرة التي عبّرت عن ذلك الرفض والاستنكار، وكان أبلغ المواقف الرسمية الموقف التركي الذي حرّك مَاكنته الدبلوماسية؛ فكان قرار وقف إطلاق النار، وإخراج المدنيين العالقين من المناطق المحاصرة.

وكذلك، الموقف القطري وكان للباقة قناة الجزيرة الدور الأكبر في فضح الجرائم التي تُمارس بحق الآمنين، وكان لنشطاء الإعلام الجديد دور بارز في ذلك.

كما وأدانت منظمات أهلية وشعبية وكذلك دولية هذه الجرائم التي لن تغفرها الأجيال، ولن تمرّ دون عقاب لمن سولت له نفسه ليقترف هذه الجرائم من القتل والذبح والتدمير والحرق والاقتلاع من الديار.

(3)

وما كان لحركة حماس أن تصمت تجاه هذا التفحش والإجرام في حلب؛ فصدّرت للإعلام بياناً رسمياً يُدين ويستنكر هذه الممارسات التي فاقت أن تكون جرائم ضد الإنسانية بما يتعرض له الآمنون الأبرياء، وكما أنها عبّرت على لسان قادتها من أنّها لتتفطّر ألماً لما يحل بأهلنا من ظُلم لا يُمكن تبريره بأي عذر..!

وفي المقابل شهدت الساحة الفلسطينية أصواتاً نشازاً من قلة قليلة، تؤيد ما يجري في حلب، وتعتبره نصراً مؤزراً لمشروع الممانعة، وتبرر القتل الدائر هناك بحق الأبرياء بأنه ليس إلا خسائر حرب، فهي مقبولة إذا ما قيست بحجم الإنجاز..!

فإنّه، وللحق، لا يُمكن التعليق على هذا الخَبل التنظيري بغير كلمة واحدة أو كلمتين: إنّه (العماء أو الارتزاق).

ولكن، الأغرب من هؤلاء أنّ أناساً لطالما حذرونا من التشيع والتخويف منهم، بل وسلخهم عن الأمّة بالكُلية، كل ذلك في أوقاتٍ كنّا في أمس الحاجة إلى وحدة الموقف في مواجهة حمأة التغول الصهيوني المجرم، وهو يعتدي على أهلنا في لبنان أو هنا في غزة.. غير أنّهم صمتوا بقصد أمام هذه المجازر، وكأنّ حلب ليس من بلاد المسلمين..!

(4)

ورُبّ قائل يقول: لماذا لم تصمت حماس، وقد كانت إلى وقتٍ قريب منضوية تحت لواء ما سُمي بالممانعة أو على هذا المحور حُسبت، وقد كانت دمشق مقراً رسمياً لقيادتها في الخارج ومسرحاً حيويّا لها، ولطالما دعمتها إيران بالأموال والسلاح.. وهذا لم تُنكره حماس بل وأشادت به في أكثر من مناسبة..؟

نعم، هذا القول في السياسة له وجاهته، بل هو تعبير صارخ عن السياسة النفعية الارتزاقية (الميكافالية) التي لا تستند لمبادئ، ولم تسعَ لتحقيق قيم عليا..

لذلك؛ فإنّ حماس أبعد ما تكون عن هذه السياسة بهذا الوصف الوضيع، وهي التعبير الحقيقي عن ضمير الوعي العربي والإسلامي في ثوبه الإنساني، فحماس تُميز جيداً بين المواقف المشكورة التي تنحاز إلى الأمّة وتحفظ حقوقها وتصون حرماتها، فهي تقدر تلك المواقف تمام التقدير سواء كانت صادرة من إيران أو من النظام في سوريا أو غيرهما..

في الوقت الذي تنسلخ حماس من المواقف التي تُنتهك فيها حُرمات الأمّة، ويُشرّع فيها الاعتداء على الآمنين الأبرياء، أو تدفع بخيرة شباب الأمة إلى أتون حروب مذهبية أو طائفية لا خير فيها بالمطلق بل هي شرّ محض.

فسياسة بيع المواقف بالأموال على حساب الحق الذي تؤمن به، والمبادئ التي تنطلق منها، والأهداف التي تنادي بها؛ فإنّ هذا لعمرك سبيل الأُجراء وديدن المأجورين..، فلا ينبغي بحالٍ أن تنساق إليه فصائل وطنية، أو جمعيات تتقمص الطهارة والعفة باسم الدين أو الوطن.

(5)

وأخيراً.. فإذا كانت طائفة ظاهرة على الحَق مِن هذه الأمّة، كما أخبر الصادق المصدوق محمد- صلى الله عليه وسَلم-، فإنّها تتكثف في هذه الفئة المقاتلة في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس.

وإنّه لا يضرّها من خذلها، ممن كان ولا يزال يتمنن عليها بما هو واجب عليه، ولا يضرّها كذلك من خالفها، ممن يرهَن مواقفه لمصالح ذاتية بعيداً عن مصالح أمته ووطنه..

ويكأنّ حكمة الله أن تَبقي هذه الطائفة؛ ليتجلى فيها معالم الصادقين، حتى تكون بوصلة الحق، ومنها يشعّ نور الحقيقة؛ فيهتدي بها الحيارى الغافلون.

[email protected]