بدت علامات التركيز واضحة على وجه "سميح المصري" أثناء متابعته مجريات ورشة تدريبية عن آليات العمل عن بعد لذوي الاحتياجات الخاصة، نظمتها الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية في غزة.
ولم يسبق للمصري (44 عامًا) أن فكر بالتعرف إلى كيفية العمل عن بعد، لكن إصابته التي تسببت ببتر كامل لكلتا ساقيه قبل ثمانية أعوام دفعته إلى الالتحاق بالورشة، فور السماع عن تفاصيلها، على أمل أن تكون مدخلًا لحياة معيشية أفضل له ولعائلته المؤلفة من ثلاث بنات ومثلهن من الصبية.
حدث العكس
قال المصري الذي حصل عام 1987 على الحزام الأسود في رياضة (الكاراتيه): "دائمًا كنت أحلم بتطوير مهاراتي وقدراتي العلمية، وبعد الإصابة في الحرب الإسرائيلية الأولى على غزة ظن الكثير أني سأستسلم وسأصبح من الخاملين، ولكن بفضل الله، ثم عزيمتي القوية، حدث العكس".
والتحق المصري بالكلية الجامعية لدراسة المحاسبة، ولكن ظروفه المالية المعقدة دفعته إلى التخلي عن أحلامه سريعًا، مقابل تمكين ابنتيه (آيات وآية) من التسجيل بالجامعة بعد حصولهما تباعًا على شهادة الثانوية العامة.
في تلك المدة انتابت الخشية المصري من أن يصبح أسيرًا للإعاقة بالفعل، فبادر إلى تعليم نفسه بعض أساسيات تصميم المباني والمنشآت المِعماريّة التي تقترب من مجال هندسة الديكور، حتى بات ينافس ببعض أعماله ابنته آية التي تدرس في المجال نفسه.
ومع أن السعادة كانت تنعشه بفعل إنجازاته، كان المصري يسعى في المقام الأول للوصول إلى فرصة عمل عن بعد، تكون له مصدر دخل، وفي الوقت نفسه تمكنه من قضاء وقت الفراغ بما هو مفيد، ولكن دون جدوى.
وأضاف المصري: "أخيرًا تمكنت من الالتحاق بدورة تدريبية ستعرّفني على كيفية تسويق إنجازاتي والتواصل مع أصحاب العمل في الخارج، وأنا جالس في بيتي، مثلما يفعل عشرات الشباب في قطاع غزة، وبذلك أنا سأنتصر مرةً أخرى على الإصابة".
آفاق جديدة
وفي المكان نفسه وضع الشاب "إبراهيم ارحيم" عكازه الحديدي إلى جواره، وجلس يتابع الدورة التي تضمنت جانبًا نظريًّا عن برامج التصميم المختلفة، وآخر عمليًّا مرتبطًا بكيفية فتح قنوات عمل مع الشركات الخارجية المهتمة.
وعلق ارحيم على مشاركته: "منذ سنوات أسعى للحصول على معرفة حقيقية بالتسويق الإلكتروني والعمل عن بعد، لتحقيق أكبر استفادة ممكنة من خبرتي في مجال البرمجة والتصميم لماكينات (cnc)، حتى جاءت هذه الدورة التي سأتابع كل جزئياتها".
كذلك "صابر شملخ" رأى أن العمل عن بعد سيفتح له ولزملائه من ذوي الاحتياجات الخاصة آفاقا جديدة غير معهودة من العمل عن بعد، وتسويق أعمالهم عبر الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي.
لتطوير المهارات
بدوره أفاد رئيس مركز العمل التطوعي في الكلية الجامعية كمال بنات بأن الدورة ترمي إلى تطوير مهارات ذوي الإعاقة، وتحديدًا الحركية، بتعريفهم أكثر على سبل العمل عن بعد، والتسويق الإلكتروني، في ظل محدودية فرص العمل المتوافرة داخل قطاع غزة المحاصر.
وحاول بنات تحفيز المشاركين بذكر عدة نماذج محلية ناجحة، تمكنت من فتح خطوط عمل مع شركات داخلية وخارجية بفضل استغلال مهاراتهم الذاتية، دون وضع أي اعتبار لإصابتهم أو إعاقتهم الجسدية.