فلسطين أون لاين

​لأن القدس تستحق

باسل إبراهيم.. الشهادة مسكُ الختام لبطل ساحات المواجهة

...
جانب من التشييع (الأناضول)
القدس المحتلة / غزة - نسمة حمتو

لعشقه القدس وتعلقه بها، كان في كل مرة يترأس المسيرات الداعمة للمقدسيين، كان بمنزلة رأس الحربة في بلدة عناتا في الشمال الشرقي لمدينة القدس، وبعد كل إصابة يتلقاها من جنود الاحتلال، أو اعتقال في سجونه، يعود لساحات المواجهة أقوى من السابق، مشحونًا بالعزيمة والإرادة، وكأن روحه خُلقت من أجل الدفاع عن القدس.

إنه الشهيد "باسل إبراهيم"، الذي ارتقى، أول من أمس، شهيدًا في المدخل الشمالي لبلدة عناتا، وقد التقطت عدسات المصورين مشهد إطلاق الرصاص عليه، وإصرار مسعفي الهلال الأحمر الفلسطيني على نقله للمستشفى، مواجهين جنود الاحتلال الذين منعوا سيارات الإسعاف من التحرك، وأخيرًا ترك المسعفون سياراتهم ونقلوه سيرا على الأقدام.

في الصفوف الأمامية

يوم الجمعة الموافق الخامس عشر من شهر ديسمبر/ كانون أول، كان يومًا عاديًا بالنسبة لباسل الذي استيقظ صباحًا ليطعم الطيور التي كان يعشق صيدها، وحرص على أن يرتدي أجمل ما لديه من ملابس، وغادر المنزل ليلتقي بأحد أصدقائه ومن ثم يذهب إلى ساحة المواجهات عند مدخل بلدة عناتا.

كانت تلك اللحظات الأخيرة التي قضاها الشهيد باسل وهو يدافع عن القدس بإلقاء الحجارة على قوات الاحتلال، لطالما حاول المقاومة بجسده الضعيف، وأصيب بالرصاص أكثر من مرة، وبعد كل إصابة كان يعود لنفس المكان، كأنه يقول للاحتلال "أنا أقوى بكثير من بندقيتك التي توجهها صوبي".

"محمود إبراهيم" عمّ الشهيد، والذي يُعدّ بمنزلة والده، قال عنه: "كل المنطقة تعرف بأن باسل دائمًا في المواجهات، ورغم تحذيره أكثر من مرة من قبل جنود الاحتلال، إلا أنه في كل مرة يعود أقوى من السابق، في كل المسيرات المتعلقة بالقدس وفي الانتفاضة الأخيرة كان في الصفوف الأمامية".

وأضاف لـ"فلسطين": "ذات مرّة، اقتحمت قوة خاصة من جنود الاحتلال منزله، واعتقلته أمام طفله الصغير الذي لم يتجاوز خمس سنوات، قضى في السجن عدّة أشهر، وخرج قبل شهرين فقط، ورغم اعتقاله أصرّ على العودة مجددًا للصفوف الأمامية في المواجهة".

وتابع عن حب باسل لمدينة القدس وتعلقه بها: "كان جنود الاحتلال يحاولون استفزازه في كل مرة، بإطلاق الرصاص الحي أو المطاط عليه، والأصعب من ذلك الإصابة التي تلقاها في رئته اليمنى وأدت لتهتك الرئتين".

وواصل: "رغم كل ذلك، كان يغضب ممن يحاول منعه من الخروج للمواجهات، وبعد خروجه من المستشفى يعود للمواجهات مرة أخرى ليثبت للاحتلال أنه الأقوى، وفي المواجهات الأخيرة، أخبره جنود الاحتلال أنه (سيكون شهيدًا في المرة المقبلة)".

وتحدّث عن إصابته الأخيرة في فخذه الأيسر برصاص حي: "نقلناه للمشفى، ولكنه قام بلف الجرح وعاد مرة أخرى إلى المواجهات، فأعدناه للمنزل بالقوة، ما أدى لحدوث نزيف داخلي في قدمه ومضاعفات كبيرة تسببت في تدهور حالته الصحية".

رغم كل الإصابات التي تلقّاها باسل ورغم أنه سُجن أكثر من أربع مرات، إلا أنه لم يتوقف ولو لحظة واحدة في الدفاع عن القدس، وكان دائمًا يتمنى الشهادة وقد نالها، بعد أسبوع فقط بإتمام عامه الثامن والعشرين.

قبل أيام استشهد صديق باسل من مدينة عناتا، وعند وداعه، طبع قبلة على جبينه وبكى بجانبه وقال له: "سرقتها قبلي، واستشهدت"، وكانت أمنيته أن يلتحق بصديقه.

عمّ الشهيد نقل عنه أنه كان دائمًا يقول: "هو موت واحد وليس موتين، اليوم موضوع القدس ليس سهلًا، ولن أتراجع عن الدفاع عنها".

أسير وجريح

أما "هشام إبراهيم"، شقيق الشهيد، فقال لـ"فلسطين": "باسل قضى حياته إما أسيرا أو جريحا، والآن نال الشهادة التي يتمناها، عزاؤنا الوحيد أنه استشهد دفاعًا عن القدس وأنه لطالما تمنى الشهادة وها هو قد حصل عليها".

وأضاف: "قوات الاحتلال كانت تتعمد دائمًا استفزازه، وتحذره بألّا يعود للمنطقة مرة أخرى وإلا قضت عليه، وفي يوم الجمعة حققت ما تريد وقتلته برصاصة في الرأس، متعمدة قتله كي لا يعود مرة أخرى إلى هذا المكان".

وتابع: "دائمًا كنت أقول له (عندك ابن، عليك أن تحافظ عليه) فيقول لي: (ابني له الله، وإذا استشهدت، فهذا وعد الله".