فلسطين أون لاين

​المصروف اليومي.. حاجةٌ ملحة للطفل دون تغييب القناعة

...
صورة تعبيرية للمصروف اليومي للطفل
غزة - فاطمة أبو حية

طالبتان أو ثلاث على الأقل من كل فصل، يفضلن البقاء على مقاعدهن في فترة الفسحة، ويرفضن مشاركة زميلاتهن في اللعب بذرائع مختلفة، لكن السبب الحقيقي عرفته المعلمات وقررن أن يساهمن في علاجه للحد من آثاره النفسية على طالباتهن.. السبب كان عدم حصول هؤلاء الفتيات على مصروفهن اليومي.. فكيف يؤثر عليهن ذلك؟ وماذا فعلت المعلمات لأجلهن؟..

لِئلّا يشعرن بالنقص

تقول إحدى المعلمات المشاركات في هذه المبادرة: "المدرسة التي أعمل بها تقع في منطقة تسودها الأوضاع المادية الصعبة، ولذا فإن الكثير من الطالبات لا يحصلن على مصروف يومي، وكثير منهن يمللن إلى العزلة، ويرفضن الخروج من الفصل في وقت الفسحة".

وتضيف المعلمة التي لم ترغب بذكر اسمها: "اتفقت المعلمات على إنهاء معاناة هؤلاء الطالبات، لئلا يشعرن بالنقص، فبدأنا بجمع مبلغ شهري بسيط من كل منّا، وشراء أشياء عينية كالحلوى لتقديمها للطالبات اللاتي لا يحصلن على المصروف، ويساعدنا في ذلك التاجر الذي نشتري منه، فهو يتحمل جزءا لا بأس به من قيمة مشترياتنا"، مؤكدة أن هذه المبادرة كان لها أثر كبير على الطالبات اللاتي بات بمقدورهن مشاركة صديقاتهن في اللعب أثناء الفسحة، دون شعور بالإحراج.

إلّا المصروف

الأم لسبعة أبناء "إيمان عبد الرحمن" تقول إنها تحاول ألا ينقطع المصروف عن أبنائها، أيًا كانت الظروف المادية التي تمر بها، مضيفة: "أحياناً يتهاون زوجي بشأن مصروف الأبناء، بسبب ضيق ذات اليد، ولكنني أرفض رفضا قاطعا، ودائما أكرر له: (إلا المصروف)".

وتوضح: "أفعل ذلك حتى لا يشعر الأبناء أنهم أقل من غيرهم، وكي لا يتعرضوا لمواقف محرجة في المدرسة، فأنا أعرف أن بعض الطلبة ألسنتهم سليطة للغاية، خاصة أنني كثيرا ما بكيت بحرقة في طفولتي لشعوري بأني أقل من غيري".

عُرضة لتأثيراتٍ عدّة

وتقول الأخصائية النفسية ليلى أبو عيشة: "عدم حصول الطفل على مصروف يومي بشكل مستمر يجعله عرضة لكثير من التأثيرات النفسية، منها الشعور بالنقص وأنه أقل من زملائه، والانطواء وتجنب الاحتكاك بالآخرين لعدم التعرض لمواقف محرجة، وفي حال وصل به الأمر إلى تفضيل البقاء في الغرفة الصفية أثناء وقت الفسحة، فهذا سيؤثر على تحصيله الدراسي، لأنه سيقضي هذه الفترة في التفكير بالفوارق بينه وبين رفاقه بينما الأصل في الفسحة أنها تعمل على تجديد طاقة الطفل وحيويته وتساعده على التخلص من الملل كونها تتيح له الخروج من الفصل، ناهيك عن دورها في التواصل مع الزملاء، وقد يضطر للسرقة، رغم أنه لا يدرك معناها".

وتضيف لـ"فلسطين": "المصروف اليومي ثقافة مجتمعية سائدة، وبالتالي فمن الضروري أن يحصل الطفل عليه، حتى وإن كان بسيطاً بما يتماشى مع إمكانيات الأهل"، متابعة: "إن لم يتمكن الأهل من منح الطفل مصروفه في بعض الأحيان، فلا ضرر، ولكن المهم أن يكون مؤقتا وليس بشكل مستمر".

وتتابع: "في الوقت ذاته، لا بد من تعويد الأطفال على القناعة، وغرسها فيهم من نعومة أظفارهم، فإذا ما تعرض الأهل لفترات ضيق مادي ولم يتمكنوا من إعطاء أبنائهم المصروف، فهنا تظهر التوجيهات الأبوية وتؤثر إيجابا"، لافتة إلى أن إعطاء الطفل أشياء عينية بدلا من المصروف المالي جيد، ولكن ينبغي أن يكون الطفل معتادا عليه منذ التحاقه بالروضة، ولا يكون تغييرا مفاجئا".

وعن التأثيرات المستقبلية لعدم حصول الفرد على مصروف يومي بشكل دائم، توضح أبو عيشة: "قد يؤدي هذا إلى ترسيخ صفة القسوة في الإنسان، وربما يفعل العكس تماما، فيكون لينًا، ومقبلا على مساعدة الناس كي لا يعيشوا ما عاشه في طفولته".

وتبين أنه من دور المعلمين والمعلمات توعية الطلبة بأن الفقر ليس عيباً، وأن الكثير من العلماء والمتميزين في العالم كانوا فقراء، ولكنهم قدموا ما ينفع البشرية، وهذا يعطي ثقة بالنفس للطلبة الذين يعانون أوضاعا مالية سيئة، ولا يجعلهم أقل من غيرهم في نظر أنفسهم أو الآخرين.

وتشير إلى أنه في حال قرر المعلمون تقديم المساعدة لهؤلاء الأطفال، فهذه مبادرة جيدة ومتميزة، وتساعد الطفل على تجاوز أزمته، ولكن ينبغي أن تتم بطريقةٍ لطيفة لا تخدش مشاعر الطالب، ولا تسبب له الإحراج، ومن الجيد أن تكون بشكل غير مباشر، كأن يكون تقديمها على هيئة تعزيز، أو من خلال الأهل.

وتلفت أبو عيشة إلى أن تقديم المساعدة بطريقةٍ مباشرة ومحرجة سينجم عنه، على الأرجح، تبعات نفسية سيئة تلاحقه في كبره، وتصيبه بعقدة نقص مستقبلاً، لافتة إلى أنه في بعض الأحيان قد تكون هذه المساعدات سبباً في اهتمام الفرد برعاية الفقراء وتقديم العون لهم كما كان يحدث معه في طفولته.