ترغمك الحياة أحيانًا على عدم حسن الاختيار تحت ظروفها المتشابكة والمعقدة، فيما أنت توافق على تقديم التنازلات أمام جبروتها وقلّة صبرك وضعفِ عزيمتك متأملًا أن يتغير مسار الفرصة غير المناسبة المُتاحة أمامك إلى ما تتمنى بينما أنت لا تُدرك حقًا أنك بذلك تُعلّق أحلامك إلى أجلٍ غير مسمى.
قد تُسيء الاختيار في الزوج/ــة، الوظيفة، مكان السكن، الصديق المناسب، باستسلام مُريب لم تظهر عليه شخصيتك من قبل، وما أن تبدأ بتقديم أول تنازل حتى تستمر في تقديم التنازلات واحدًا تلو الآخر، أمام حجة "ظروف الحياة" التي توهم نفسك أنها هي مَن تخلق لك طريق سيرك رغم أنك تعرف جيدًا أن مفاتيح الاختيار بيدك وحدك.
في المرحلة الأولى يغمرك الحماس "الكاذب" المُوجه بإنكار داخلي في ذاتك يقول لك إنك ستصنع من هذا الطريق الذي لا يشبهك في شيء دربًا مكللًا بالنجاح، يقول لك قلبك الذي لم يُخطئك أبدًا إن ما بُني على باطل فهو باطل إلا أنك تتجاهله تمامًا وتبدأ في مواجهة الصعوبات وتكليف نفسك ما لا تطيق لتثبت لقلبك أنه أخطأ هذه المرة.
في النهاية ستقول له هامسًا إنها المرة الوحيدة التي تمنيت فيها أن أراكَ مخطئًا حقًا، لكن النهاية قد تتأخر كثيرًا وقد لا تأتي أحيانًا، كل الأمر يعتمد على مدى تصديقك لقلبك؛ ستفتر همتك في مواجهة جدران البداية في المرحلة الثانية رغم كل ما اجتهدت في خلقه من حماس مكذوب بدءًا، لكن عنادك لن يسمح لك في الانصياع لقلبك سريعًا وستبقى تتجاذب روحك في مرحلة "إنها فترة وتمضي" طويلًا.
بالمناسبة ستمتد هذه المرحلة كثيرًا، لأن الاختلافات تبدأ في التجلي أمامك والتجاهل من ناحيتك يكبر ويتضخم حتى أنك تقنع نفسك أنها عابرة وأن بإمكانك تجاوزها، بل قد تقسم لنفسك أنك ستتجاوزها حتمًا، لكن المشكلة تكمن في أنك تواجه التحديات وتهدر طاقتك في تحدي جبال الصعوبات وأنت تسير في طريق خاطئ لن يودي بك في النهاية إلى أي شيء إلا لصنع منك شخص لن تعرفه.
بعد تلك المرحلة الممتدة تكون اعتدت على حجم التناقضات بين ذاتك وقدراتك وأحلامك وطموحاتك وما تمنيت وما رسمت وما خططت وبين ما تعيشه في الواقع، وكلما مر أمامك حلمك الجميل وقد اغبر قليلًا لن تكلف نفسك أن تمسح الغبار عنه حتى وأنت تعرف أن طريقك القائم هو خاطئ ومع ذلك تستمر في وضع الرقع على كل ثقب في هذا الثوب وتمضي.
في بعض الفترات ستقف أمام مرآتك تلك التي لم تنظر فيها إلى عينيك أبدًا منذ قررت أن تسلك في هذا الطريق، وسيقول لك قلبك إنك لا تستطيع أن تكمل فعلًا، في لحظةٍ كهذه إياك إياك أن تتجاهله، حاول أن تأخذ بيده ولا تنظر خلفك أبدًا، في هذه المرة فقط اسمح لنفسك أن تعود خطوتين للوراء وتحتضن حلمك الجميل بعد أن تمسح الغبار عنه للأبد وترويه بشربةٍ لا يظمأ بعدها أبدًا.
هذا وإلا ستكبر الرقع في ثوبك الباهت اللون، وكلما كبرت رقعة كلما ماتت زهرة أنيقة في قلبك، ستكبر الرقع حتى يستعصي خيطك على حياكتها، فكيف لخيطٍ قصير أن يُعيد قولبة ثوب مهترئ، ثوبُ لم يكن على مقاسك يومًا، ثوبٌ لا يناسبك لا لونًا ولا شكلًا ولا حجمًا، ثوب لا يليق بأناقة أحلامك، ثوبٌ كهذا اتركه لأصحابه وارتدي جمال حلمك أنت، أنت فقط.