كأنه ينقلك برحلة سريعة إلى رحاب المسجد الأقصى المبارك، تغوص بمعالمه التي لا تتيح لك الصور الفوتوغرافية مشاهدتها كاملة في إطار واحد، كأنك بالفعل تشاهد الأقصى عن كثب.. بدقة ومهارة عالية أبدعت أنامل المصمم الغزي أسامة حمادة (33 عاما) بتصميم مجسم نوعي يحاكي المسجد الأقصى.
على قاعدة خشبية يبلغ طولها متر و70 سنتيمترا، وعرضها 90 سنتيمترا، وطبقات من الإسفنج والخشب والكرتون المقوى، يظهر المجسم بشكل فني وجمالي يحاكي جميع معالم الأقصى، وفيه لوحة مفاتيح إلكترونية، ويتصل كل مفتاح بمعلم من المعالم، وبمجرد الضغط عليه يُضاء المعلم، وهذه الخاصية تهدف لتسهيل الشرح دون الحاجة للإشارة باليد أو أي أداة أخرى.
صمم حمادة ثلاث نسخ من المجسم، يتنقل بها بين المدارس والمساجد والمعارض والمخيمات؛ لتعريف الطلبة والمواطنين بمعلومات كافية حول الأقصى، وبالمخاطر التي يتعرض لها، وكذلك بمعلومات تاريخية عنه، وبالإضافة إلى الشرح، يشعر الحضور أنهم في زيارة حقيقة للمسجد من خلال هذا المجسم الدقيق.
التحدي الأصعب
"بدأت الفكرة حينما طلبت مني مؤسسة القدس الدولية إنشاء مجسم يُحاكي المسجد الأقصى بنسبة كاملة، ويُظهر جميع معالمه المعمارية الإسلامية من قباب ومساطب ومدارس وكل ما يحتويه من معالم".. بهذا بدأ المصمم أسامة حمادة حديثه مع "فلسطين".
ومن هنا بدأ حمادة مشواره وتحديه الأصعب منذ أن بدأ يمارس هواية تصميم المجسمات قبل نحو عشر سنوات، خاصة أن هذا المجسم سيُستخدم لتعليم طلبة المدارس، والمساجد، وسيُوضع بالمخيمات والمعارض المختلفة.
قال: "كنت أمام تحدٍ صعب، استمر على مدار شهر ونصف من العمل المتواصل؛ لإنجاز المجسم بالدقة المطلوبة".
ولكي يحقق الهدف المطلوب، اطّلع على تقارير وأبحاث وصور جوية للمسجد الأقصى من الجوانب كافة، وهكذا خط طريقه. ويستعيد أسامة تلك اللحظات موضحا: "واصلت العمل على مدار الوقت وانتهيت من تصميم نموذج يحاكي الأقصى بنسبة 95%".
ما سر اللمسات الفنية الدقيقة بالمجسم؟، ردّ حمادة على سؤالنا بالقول: "حاولت محاكاة كل شيء في الأقصى، حتى الأشجار، والمناطق الترابية، والرخامية، بدقة فلدي قدرة وموهبة على إسقاط الأشكال على مجسمات صغيرة، وهذه الموهبة تطورت مع استمرار العمل والتصاميم والاستفادة من التجارب السابقة".
ويتميز المجسم عن غيره من المجسمات، والكلام لحمادة، بأنه يحتوي على لوحة إلكترونية توضح المعالم عبر 30 مفتاحا، فمجرد الضغط على كل مفتاح يُضاء المعلم المحدد، مما يسهل توصيل المعلومة للطالب.
وبيّن أن المجسم يُستخدم في التعليم والتثقيف، في المخيمات والمدارس والمعارض، ولاقى ترحيبا وتفاعلا كبيرا ممن شاهدوه.
وقال: "أنصح بتفعيل المجسم بشكل كبير في المدارس خاصة المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية كذلك، فيجب أن يعرف هذا الجيل كل شيء عن المسجد الأقصى، معالمه، والمخاطر التي تحدق به، والأبواب المغلقة والمفتوحة، وحائط البراق، والمجسم، مما يسهل توصيل هذه المعلومات وغيرها"، مضيفا: "بوجود هذه المعرفة عند الطفل، يتعلق قلبه بالمسجد الأقصى، وكأنه موجود فيه".
ما تمرّ به المدينة المقدّسة في هذه الأيام يؤكد على أهمية المعرفة بما يكفي من المعلومات عن القدس والأقصى، وضرورة توصيلها للأطفال بطرق تجعلها راسخة في أذهانهم؛ لينشؤوا على معرفة المكان المُبارك ويتعلقوا به، ولعلّ هذا المجسم من الطرق العملية التي تحقق هذا الهدف.
وحمادة من مواليد 1984م، متزوج، وأب لأربعة أبناء، يعمل سكرتيرا في مدرسة، لديه هواية في الرسم والخط وتصميم المجسمات التعليمية، والصحية، صمم حتى الآن ثلاثة نماذج لمجسم يُحاكي المسجد الأقصى لصالح مؤسستي القدس ودائرة القدس الدولية، وكذلك مجسمات دقيقة لرئتي جسم الإنسان، ومجسمات علمية للجدول الدوري للعناصر في مبحث الكيمياء، يوضح فيها معلومات عن كل عنصر.