على مر العصور، كانت المدينة المقدسة والمسجد الأقصى محل أطماع الغزاة، وفي العصر الحالي يمعن الاحتلال الإسرائيلي في انتهاك قدسيتها، وتشريد أهلها، ومع ذلك لا توجد تحركات كافية لنصرتها، على مختلف الصعد.
وممن يجب عليهم نصرة القدس، علماء المسلمين، الذين صمت كثير منهم في هذه الآونة، ولم يتفوهوا بكلمة واحدة تعليقا على القرار الأمريكي بالاعتراف بها عاصمة لكيان الاحتلال، وبالطبع يعود السبب في هذا الصمت إلى الخوف من الحكام.
وهنا نتساءل عن دور علماء الدين المسلمين في نصرة القدس، وتحديدا في هذا الوقت..
الأقصى آية
قال رئيس دائرة الإفتاء في رابطة علماء فلسطين الدكتور ماهر الحولي إن "المدينة المقدسة والمسجد الأقصى يحظيان بمكانة عظيمة عند المسلمين، وتظهر هذه المكانة بأن المسجد الأقصى هو آية من آيات الله استفتح بها في سورة الإسراء (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)".
وأضاف لـ"فلسطين" أن "القدس والأقصى هما جزء من عقدة المسلمين لا يجوز التقاعس عن نصرتها، لذا لا بد لعلماء المسلمين في فلسطين وجميع أنحاء العالم أن يلعبوا دورا مهما في بيان هذه الحقيقة والدفاع عنهما بكل ما أوتوا من قوة".
وتابع: "على علماء الدين المسلمين أن يأخذوا دورهم الشرعي والأدبي والأخلاقي للدفاع عن القدس، وأن يجعلوا جهودهم في هذا الإطار مناسبة للمكانة العظيمة التي تحظى بها القدس".
وأوضح: "لو نظرنا لواقع العلماء، لوجدنا جهودًا مبذولة، ولكنها بحاجة إلى سعي أكبر وتفاعل أكثر، خاصة أن دور العلماء يجب ألّا يتوقف عند رد الفعل حينما يتعرض الأقصى لانتهاك أو اعتداء ما، بل ينبغي أن تكون النصرة مستمرة".
وأكد أن "قضية القدس لا بد أن تكون حاضرة في فكر العلماء ووجدانهم وواقع حياتهم، والجهد المبذول مكثف ودائم ما دام الأقصى تحت الاحتلال، وإذا كانت الكعبة رمز الإسلام فإن الأقصى يمثل سيادة الإسلام".
واجب شرعي
وعن الوسائل المتاحة أمام علماء المسلمين لنصرة القدس والمسجد الأقصى، ذكر د. الحولي أن هناك وسائل عدة، منها تحشيد الجماهير الإسلامية وتحريض الشباب المسلم للدفاع عن المسجد الأقصى، وتوجيه النصح والإرشاد للحكام، وحثّهم على نصرة المدينة المقدسة.
وشدد على أن دور علماء المسلمين يجب ألّا يقتصر على الناحية النظرية، بل يجب أن يمتد ليشمل وسائل واقعية، منها النزول إلى الشوارع وتحريك الجماهير، وحتى المشاركة والإعداد والتجهيز للدفاع عن القدس.
وقال: "على علماء المسلمين ألا يدخروا وسيلة من الوسائل المتاحة لهم لتحرير الأقصى والدفاع عنه، وذلك على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، ناهيك عن إثارة هذا الأمر في المحافل الدولية، واستثمار المنظمات الدولية العالمية والتواصل مع رؤساء المنظمات الإسلامية للحديث عن القدس ودعمها".
وأضاف: "نصرة القدس واجب شرعي يصل إلى درجة الوجوب، وهو فرض على كل من يستطيع الدفاع عنه، ووسائل الدفاع متعددة ومتنوعة".
وتابع الحولي: "من الأمور الخطيرة، تخاذل علماء المسلمين عن نصرة القدس، لأن نصرة الإنسان المسلم والمقدسات الإسلامية واجب شرعي، والرسول نبه إلى ذلك في قوله: (مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا عِنْدَ مَوْطِنٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ. وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ).
ووصف صمت علماء المسلمين عن نصرة القدس، بأنه "خذلان، وسبب لهزيمة المدينة والمسلمين"، مبينا: "والأخطر أن الصمت يغري العدو لانتهاك مقدسات المسلمين".
وأكد الحولي أن العلماء يجب أن يجهروا بكلمة الحق بأي حال من الأحوال، إذ قال عليه الصلاة والسلام: "سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله".
ونبه إلى أنه يجب على علماء المسلمين ترتيب الأولويات ليتصدر الحديث عن المسجد الأقصى سلم الأولويات، فهو يتساوى مع أعراض وحرمات المسلمين لأنه جزء من العقيدة.