بعزيمة وتحدٍ للاحتلال، وبثبات كثبات شجرة النخيل أمام الرياح العاصفة، تواظب المرابطة المقدسية هنادي حلواني على مشاركة المرابطين بالاعتصام عند شارع صلاح الدين بمدينة القدس رفضًا لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إعلانه الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال، هي ومن معها لا يأبهون بالأعداد الكبيرة لشرطة الاحتلال وجيشه ومخابراته والمستعربين التابعين له الذين ينتشرون بين المقدسيين.
حلواني هي واحدة من مئات المرابطين الذين يتصدون بصدورهم العارية لغطرسة الاحتلال، ويشكّلون خط الدفاع الأول عن الأمتين العربية والإسلامية بحمايتهم المسجد الأقصى، وها هم يقفون اليوم أمام تحدٍ جديد، فينتشرون في عدة ساحات فُتحت للاعتصام رفضًا للقرار الأمريكي، وأبرزها شارع صلاح الدين، والبلدة القديمة، وحي الشيخ جراح، وباب العمود.
على قلب رجل واحد
تقول المرابطة حلواني: "أهم ما ينبغي أن يحرص عليه المرابطون هو وحدتهم على قلب رجل واحد، فقد كان هذا سبب النصر في هبة المقدسيين في الرابع عشر من يوليو/ تموز الماضي، عندما تمكنوا من تغيير المعادلة وإجبار الاحتلال على إزالة البوابات الإلكترونية التي نصبها على مداخل المسجد الأقصى".
وتضيف حلواني لـ"فلسطين": "إننا نحن المقدسيين لا نطالب بتغيير القرار الأمريكي أو التراجع عنه، ولكننا نسعى لإفشاله، وسيكون الإفشال بالقدس التي سيثبت أهلها أحقيتهم بها وأنهم أصحاب الهوية وأن المدينة عربية إسلامية مسيحية، وسيكون ذلك بالثبات والصمود، إضافة لمساندة الأمتين العربية والإسلامية باعتبار أن القدس ليست للمقدسيين وحدهم".
"المطلوب الصمود والثبات، فالوضع خطير، والقرار الأمريكي انتهاك لحق المسلمين جميعا، ولقدسية بيت المقدس، والأصل أن يتكاتف الجميع من كافة دول العالم مع المقدسيين"، كما تتابع حلواني.
وتوضح: "الأمر المختلف اليوم عن هبة 14 يوليو هو أن هبة الأسباط كانت تعنى بالمسجد الأقصى حينما أراد الاحتلال تغيير هويته، لكننا نواجه اليوم معادلة تغيير هوية المكان (..) اليوم يوجد انتهاك لحق وهوية العرب والمسلمين في كل دول العالم".
فإذا حافظ المقدسيون على الثبات والتحدي والصبر، والكلام لحلواني، أمام كل وسائل القوة التي يستخدمها الاحتلال لإبعاد المقدسيين عن الوجود في ساحات الاعتصامات، فسيثبتون للعالم أجمع أن القدس لهم وأنهم القادرون على حمايتها.
وتبين: "يظن الاحتلال أنه بهذه القرارات يبعد المقدسيين عن المسجد الأقصى، ولا يعلم أنهم أصبحوا أكثر عنادا في المحافظة على مسجدهم ومدينتهم، فهم يدافعون عن الحق بالحق، بينما هو يدافع عن باطل بالباطل وبالقوة المادية".
حلواني ترى أن "الاحتلال وقف مصدوما أمام صمود المقدسيين بالدفاع عن مسجدهم في هبة الأسباط.
ساحات اعتصام
من ناحيته، يقول الناشط السياسي المقدسي فخري أبو دياب أن "كل أهالي القدس يعبّرون عن غضبهم على السياسة الأمريكية، بعد أن بدا واضحًا أن أمريكا تحاول منح الاحتلال شرعية لترسيخ مخططاته بالمدينة المقدسة".
ويضيف أبو دياب لـ"فلسطين": "في هذا الوضع أردنا أن يكون هناك مشاركة من خارج فلسطين، فاليوم أهالي القدس والمرابطون بحاجة إلى مساندة الشعوب العربية والإسلامية في الدفاع عن مدينتهم".
ويقارن الناشط المقدسي بين هبة 14 يوليو عند باب الأسباب والغضب المقدسي المتصاعد اليوم ضد قرار الرئيس الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية من "تل أبيب" للقدس المحتلة، "حيث أفشل المرابطون في الهبّة السابقة مخطط الاحتلال لتغيير طابع المسجد الأقصى ومحاولة فرض الأمر الواقع ووضع بوابات إلكترونية، من خلال التجمهر عند باب الأسباط، لكن اليوم هناك عدة ساحات مشتعلة وليست ساحة واحدة"، على حد قوله.
ويوضح: "أهالي القدس يستفيدون من تجربة المرابطين بخبرتهم وصمودهم وصبرهم وتحديهم للاحتلال ويقتدون بهم في إعاقة كل المشاريع التي تستهدف القدس"، مشيرًا إلى أن أعداد المحتجين تزداد يوما بعد آخر، وهي موزعة على كافة الساحات المشتعلة اليوم في شارع صلاح الدين، وحي الشيخ جراح، والبلدة القديمة، وباب العمود، وهدف المعتصمين توصيل رسائل للعالم من خلال تلبيتهم لنداء الأقصى".
وانطلقت باكورة الرباط في المسجد الأقصى عقب اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 حين بادرت الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني المحتل لوضع مخطط لضرورة وجود مرابطين يعمرون المسجد على مدار الساعة للحيلولة دون استفراد الاحتلال به.
وانطلق حينها ما يعرف بـ"مسيرة البيارق" لنقل المصلين من الجليل والمثلث والنقب والساحل إلى المسجد الأقصى بشكل يومي، ما كان له أثر إيجابي مباشر في إحياء الأقصى وإنعاش الأسواق بالبلدة القديمة في القدس.
وجاءت بعد ذلك الخطوة الثانية بتأسيس "مصاطب العلم" في الأقصى، إذ رعت الحركة الإسلامية عام 2008 إنشاء 36 مصطبة علم داخل المسجد نمت بشكل تدريجي حتى وصل عدد منتسبيها إلى 1200 طالب علم عام 2011، شكّلوا خلايا علم دائمة الحضور والمرابطة داخل المسجد.
وفي عام 2013 شعر الاحتلال بخطورة دور "مصاطب العلم" في تعزيز حماية الأقصى من خلال الوجود الدائم فيه، وما يشكله ذلك من إعاقة لاقتحامات المستوطنين، فحظر هذه المصاطب وعدّها "إرهابية" وصادر كل محتوياتها.