انتفضت مدينة القدس برجالها ونسائها وشيبها وشبانها وعلت هتافاتهم في الميدان تنديدا وشجبا لإعلان الرئيس الأمريكي أن القدس عاصمة "إسرائيل"، مدافعين عن مدينتهم الجريح حاملين أعلام وطنهم فلسطين في المظاهرات والذي يغيظ المحتل حيث يعتدي على كل من يحمله.
النساء هن فارسات الميدان و"أخوات المرجلة" في القدس بلا منازع، يقدن المظاهرات ويشعلن الميدان بهتافاتهن الثورية، ويواصلن التظاهر رغم الهراوات والرصاص والغاز المسيل للدموع، يحافظن على إيصال الرسائل للعالم في منع الاحتلال للرجال من المشاركة في التظاهرات.
من هؤلاء النسوة "فاطمة خضر" ذات 59 عاما، ناشطة في الميدان، وواحدة ممن يقدن المسيرات في المدينة العتيقة، تحدّثت لـ"فلسطين" عن انتفاض المقدسيين رغم تضييق الاحتلال الشديد عليهم في كل مناحي الحياة.
رغم الاعتداءات
ضيفتنا وُلدت في "حارة الشرف" في بلدة القدس القديمة، والتي استبدلها الاحتلال بـ"حارة اليهود"، تقول: "منذ كان عمري تسع سنوات كنت ثائرة وناشطة في الميدان، أشارك في أي تظاهرة أو اعتصام للدفاع عن وطني ومدينتي، فنحن المقدسيين نثور ضد الظلم ولا نسكت عنه، رغم التحديات والمؤامرات الكبيرة من العالم أجمع".
وتضيف: "يوم الجمعة الماضي شاركت في مسيرة بعد صلاة الجمعة للتنديد بقرار ترامب وتعرضت للضرب المبرح وعلى إثره نقلت إلى المستشفى، كما تعرضت النساء والرجال المشاركين في المسيرة للضرب بالعصي الكهربائية من قبل جنود الاحتلال الموجودين في الأقصى وعلى أبوابه".
وتتابع: "رغم الضرب وتفريق المتظاهرين، عاودنا التجمهر في اليوم التالي تلبية لدعوات التظاهر، لنؤكد للمحتل وللعالم أن المقدسيين لن يستسلموا، وسيبقون صامدين ليثبتوا أن القدس هي عاصمة فلسطين الأبدية".
قائدات لا مشاركات
وتلفت الناشطة خضر إلى أن النساء المقدسيات لهن دور كبير في الدفاع عن القدس والأقصى، حيث أثبتن أنهنّ "أخوات المرجلة" على حد وصفها، مفسرة ذلك: "هن أخوات المرجلة لأنهن جنبا إلى جنب مع الرجال في الميدان، بل إنهن أحيانا يقدن المظاهرات ويتصدين للاعتداءات وحدهن بسبب منع الاحتلال للرجال من المشاركة في التحركات الاحتجاجية".
يتكاتف المقدسيون في ظل ما يواجه مدينتهم من تهويد وقرارات عالمية، وتبين خضر: "أنا بنت فلسطين أولًا ومن ثم بنت القدس، فهي التي توحدنا والأقصى يجمعنا، أهل القدس يعانون اعتقالات وضرب وغرامات مالية وتهجير، لذا ليس لديهم ما يخافون عليه، يخرجون عن بكرة أبيهم ويستودعون الله أنفسهم وأبناءهم قبل الخروج؛ لأنهم لا يعلمون إن كانوا سيعودون إلى بيوتهم أم لا".
وعن مشاركتها في قيادة المظاهرات، تقول: "المظاهرات هي التي تجمع المقدسيين، وبالنسبة لي فالحسّ الوطني ووجعي الكبير على مدينتي الأم، هما ما يجعلاني حريصة على أن أكون في الصفوف الأولى وأهتف بكلمات ثورية تخرج تلقائيا لأعبّر عن مشاعر الغضب والألم من خذلان العالم الذي يناصر الظالم على المظلوم".
في تظاهراتهم، يحرص المقدسيون على حمل علم فلسطين، وما إن يراه جنود الاحتلال يجن جنونهم، وعلى الفور يعتدون بالضرب على حامليه ويسحبونه منهم، ثم يعتدون على النساء بالضرب بالعصي الكهربائية، ويفصلون الرجال ويمنعونهم من الانضمام للنساء.
ومعروف عن الناشطة "خصر" قدرتها على تأليف عبارات ثورية حماسية في الميدان، مثل "قولوا الله هي القدس مش حيا الله"، "قولوا الله هي الأقصى يحميه الله"، "يا ترمب وينك وينك شباب القدس يقلع عينك"، "يا ترمب اسمع اسمع احنا شعب ما بيركع".
وتوضح: "الوجع يوحدنا، وما ألمسه حاليا هو أن مهمّة الدفاع عن القدس يقوم بها أهلها فقط، هم الذين يواجهون المحتل بمفردهم، ورغم ذلك لم يستكينوا".
ومع ذلك ترى أن "الحراك في القدس يشجع شعوب العالم على التحرك، لأن القدس ليست للمقدسيين فقط بل لكل العرب والمسلمين والمسيحيين".