لماذا يجب أن نواجه قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني؟، ولماذا الانتفاضة والمقاومة هما الطريق الحتمي لمواجهة هذا القرار التهويدي لمدينة القدس المحتلة؟, ليكن معلومًا بأن القرار الأمريكي بخصوص القدس له ما بعده, وستصل آثاره الكارثية إلى المسجد الأقصى, وسيمكن العدو الصهيوني من ممارسة مخططاته بخصوص التقسيم أو التغيير في الأقصى, ويوفر هذا القرار بيئة دولية مناسبة لعمليات التغيير الديمغرافي في مدينة القدس, ويخرج علينا من يقول إن للدول الحرية في ترتيب وضبط الأوضاع في أماكن العبادة بما يسهل الحركة ويوفر الأمن لمرتاديها.
وهنا تكمن خطورة أن تتبع الدول الأخرى مسلك الإدارة الأمريكية بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني, سواء أكان ذلك تبعية لأمريكا, أم كان من باب تحقيق المنافع والمصالح الاقتصادية لتلك الدول, في ظل غياب تحرك عربي وإسلامي مؤثر وجاد يبطل هذا القرار ويلغيه, وتزداد خطورة المشهد بالموقف المتراخي للدول العربية والإسلامية, فأقل ما يوصف به هذا الموقف هو عدم المبالاة, وكأن قضية القدس لا تعنيهم بشيء, ولعل هذا كان واضحًا من جرأة ترامب على الاتصال برؤساء الدول العربية, ليخبرهم بعزمه على الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل سفارته إليها, وكما توقع ترامب كان رد زعماء العرب، لذا مضى في مخططه بكل عنجهية وعربدة طلبًا لرضا اللوبي اليهودي في أمريكا.
الإدانة الخجولة من النظام العربي الرسمي تأتي رفعًا للحرج, ولم تقفز خارج الدائرة المرسومة لها, لذا ذيلت تلك المواقف بضرورة ربط أي إعلان فيما يتعلق بالقدس بالعملية التفاوضية, وغابت الردود القوية والمؤثرة عن الموقف العربي الرسمي, فلم تغلق السفارات، ولم يطرد السفراء، ولم تقطع العلاقات أو تجمد, وهذا أقل ما يمكن أن تقوم به الأنظمة العربية في مواجهة هذا القرار, ولم يكن الموقف الفلسطيني الرسمي بأحسن حال, فلم يسحب الاعتراف بالكيان العبري, ولم يوقف التنسيق الأمني, ولم ينسحب من عملية التسوية, وهذا أبسط ما ممكن أن تقدم عليه السلطة الفلسطينية.
يقول المثل: "ما حك جلدك مثل ظفرك", فقرار ترامب العدواني يمس القدس عاصمتنا وعنوان وجودنا, سيكون لهذا القرار عواقب من قبيل محاولة التغيير الديمغرافي في القدس لمصلحة مخطط التهويد على وفق خرائط القدس الكبرى, التي اعتمدتها الحكومة الصهيونية, فالقرار بداية حرب فعلية على الوجود الفلسطيني في القدس المحتلة, من هدم لمنازل الفلسطينيين وترحيلهم وتهجيرهم, وتغيير أسماء البلدات والشوارع إلى العبرية, مع زيادة وتيرة الاستيطان الصهيوني في القدس وضواحيها, كل هذا العدوان العنصري الإحلالي يتطلب مقاومة مترابطة ومتجذرة في الأرض الفلسطينية, من أجل إفشال القرار وتأثيره على واقع مدينة القدس وهويتها الفلسطينية.
ومن غير المستساغ تثبيط الجماهير الفلسطينية بالقول: إن القرار لا يغير شيئًا على أرض الواقع, ألا تعلمون _يا هؤلاء_ أن العدو الصهيوني دون قرارات داعمة له كالقرار الجريمة الذي أصدره ترامب كان يمعن بطشًا بأهالي القدس، ويواصل قضم الأرض الفلسطينية لمصلحة مشاريعه الاستيطانية, ويطارد المقدسيين في كل مناحي حياتهم الصحية والتعليمية والثقافية والاقتصادية، من أجل القضاء على ما تبقى من هوية فلسطينية بالقدس المحتلة.
قرار ترامب الآثم كشف سوأة التسوية, وفضح عُقم العملية التفاوضية, فلن تصل بفريق التسوية إلى حل الدولتين أبدًا, فالعدو الصهيوني لا يؤمن يومًا بالتسويات السياسية، إذ يزداد جنوح المجتمع الصهيوني إلى أقصى اليمين المتطرف, كما جاء في آخر الاستطلاعات الصهيونية, لذا يجب أن نعد قرار ترامب محطة للانطلاق نحو مرحلة فلسطينية جديدة, تقوم على إعادة القضية الفلسطينية إلى جذورها التاريخية، حيث تسرد حكايات مظلومية الشعب الفلسطيني, أمام بطش العصابات الصهيونية المدعومة من العالم الاستعماري, التي جاءت لتقتل وتُهجر شعبًا أعزل, من أجل أن تقيم لشتات اليهود دولة في فلسطين, وسلاحها في ذلك المجازر البشعة ضد الإنسانية, وكان هدفها الرئيس إبادة الشعب بأكمله، فلم تترك صغيرًا ولا كبيرًا ولا امرأة أو عجوزًا إلا مقتولين برصاصها وقنابل بطشها.
فلم يبقَ أمام الشعب الفلسطيني إلا العودة إلى المقاومة بكل ما يملك من أدوات ووسائل، لدفع العدوان، وإزالة الضرر عن قضيتنا الوطنية, فقد سقطت كل الرهانات على التسوية, التي لم تزيدنا إلا خسرانًا وضياعًا للحقوق والثوابت, فهل نسعى جميعًا نحو الهدف الإستراتيجي المعلن بالتخلص من الاحتلال وإنجاز الاستقلال؟، أم يصيبنا داء التراجع ومتلازمة التفاوض حتى الموت, فتضيع الأرض وتطمس الهوية الفلسطينية, ونبكي حينها على ضياع القدس في قصائدنا الحزينة؟!, وأمام الحسابات الضيقة لأصحاب ربطات العنق, التي يغلفها الخوف وتتعمق بداخلها الخشية والرعب, يخرج أشبال فلسطين من قلب القدس غزة ونابلس وجنين وأم الفحم والنقب والجليل, ليعلنوا للعالم أن القدس فلسطينية عربية إسلامية رغم أنف ترامب والصهيونية.