منذ إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، القدس المحتلة عاصمة لـ(إسرائيل)، الأربعاء الماضي، اجتاحت المدن الفلسطينية ومدن وعواصم عربية وإسلامية وعالمية، مظاهرات غاضبة ورافضة لهذا الإعلان، تطورت يوم الجمعة الماضية إلى اشتباكات في عديد من النقاط في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وفي ظل هذه التطورات، وقبيل اجتماع جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ذهب المحللون الإسرائيليون اليوم، إلى التحذير من مغبة ما قد يحصل، وعدم اعتبار الأيام السابقة مؤشرًا لما سيأتي، معتبرين أن الأحداث القادمة تتأثر بكثير من العوامل، وفقا لتقرير نشره موقع عرب (48).
الانتظار وعدم التصعيد
وقال محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، إنه "لا يجب الاعتماد على أعداد المتظاهرين في نقاط الاشتباك للإعلان عن "مجرد مناوشات"؛ لأن التصعيد الحقيقي موجود على شبكات التواصل الاجتماعي، هناك حيث التأثير الأكبر على الفلسطينيين، ومن هناك يخرج منفذو العمليات، سواء أفرادا كانوا أم خلايا"، حسب قوله.
واعتبر فيشمان أن "شبكات التواصل الاجتماعي تشتعل في هذه الفترة أكثر من أي وقت مضى، وأن قوات الاحتلال تتابعها بشكل مكثف وتدقيق أكبر.
وأشار إلى أنه في حال نجح فلسطيني بتنفيذ عملية تسفر عن مقتل إسرائيليين "ستتغير أبعاد التصعيد على الأرض بشكل كامل، وتتغير قواعد الاشتباك وإطلاق النار، التي أعلن عنها الجيش مؤخرًا وفق المتغيرات".
ولفت إلى أن جيش الاحتلال أمر جنوده بعدم إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين؛ بسبب خشيتهم من سيناريو سقوط أي شهيد.
وبحسب تقدير أجهزة أمن الاحتلال، فسقوط أي شهيد قد يشعل مواقع الاشتباك وسيتسبب بامتداد المواجهات العنيفة لأيام عديدة.
واعتبر فيشمان أن أجهزة أمن السلطة تبذل جهدها لمنع خروج مظاهرات حاشدة من المدن الفلسطينية، ونجحت جزئيًا في ذلك، لكن هذا سينتهي عند سقوط أي شهيد؛ لأنها لن تتمكن من احتواء أي جنازة، والتي على الأرجح ستتحول لمظاهرة غضب وتنتهي باشتباك عنيف.
وأكد فيشمان أن "وحدة الفلسطينيين" في الأراضي المحتلة عام 48 والضفة الغربية من شأنها التصعيد، وأخذ الأمور نحو الاشتعال، خاصة أن المظاهرات امتدت للداخل، حيث شهد وادي عارة تصعيدًا برشق الحافلات الإسرائيلية بالحجارة.
وخلص فيشمان إلى القول إنه "لا يمكن الاستنتاج اليوم إلى أين تتجه الأمور، يجب الانتظار حتى نهاية الأسبوع؛ لمعرفة إذا ما كان هناك تصعيد سببه خطاب ترمب، أم أن الأمور ستنتهي بمظاهرات وبعض اشتباكات عابرة.
أسباب امتداد المظاهرات
وذكر فيشمان أن عوامل مواصلة المظاهرات والتصعيد لا ترتبط فقط بالفلسطينيين، إذ تؤثر الساحة الدولية على مجريات الأمور في المنطقة، ومن بينها اجتماع الجامعة العربية وقراراتها، وكذلك اجتماع منظمة التعاون الإسلامي، الذي دعا إليه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في أنقرة يوم الأربعاء الماضي.
وقال فيشمان إن "هذه القرارات لها تأثير على موجة الغضب التي تجتاح العالم العربي والإسلامي، بدءًا من تركيا مرورًا بمخيمات اللجوء في سورية ولبنان ومظاهرات في المدن الأردنية -التي لا يستطيع الملك الاعتراض عليها حتى وإن لم يرغب بها-، إلى مصر وباقي العواصم الإسلامية".
وعدّ خطاب ترمب "تمكن من توحيد الأمة العربية حول القدس وإعادته إلى الصدارة، مع التأكيد على أن قضية القدس ليست قضية دينية بل قضية قومية عربية، وكم التضامن والاهتمام الذي شهده العالم العربي لم يشهده منذ سنوات عديدة".
"لم تنته الأمور بعد"
بدوره، اعتبر محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "هآرتس"، عاموس هريئيل، أن إعلان ترمب "لم يتسبب باندلاع انتفاضة ثالثة حتى الآن، رغم دعوة عدد من الجهات الفلسطينية لاندلاعها، لكنها أدت لنهاية أسبوع عاصفة في القدس والضفة الغربية وعند الحدود مع قطاع غزة بالأساس".
ولفت إلى أن، "أعداد المتظاهرين لا تعكس القلق من إعلان ترمب في صفوف الشعب، كما هو القلق لدى قيادته، لكنها كشفت أشياء أخرى، مثل تقدم المصالحة إلى حد تنظيم مظاهرات مشتركة بين حركتي فتح وحماس في الخليل، والتي رفعت فيها رايات حماس علنًا وبكثرة لأول مرة في الضفة الغربية منذ سنوات."
وبحسب هريئيل "حماس لا تريد الانجرار إلى حرب مع (إسرائيل)، وكذلك الأخيرة، وهذا ما تجلى من خلال الرد الإسرائيلي على القذائف التي أطلقت باتجاه النقب الغربي، إذ كانت الخطوات محسوبة كي لا تتجاوز الهدوء المتوتر الذي يشوب العلاقات بين غزة وإسرائيل" منذ انتهاء العدوان الأخير على قطاع غزة عام 2014.
عملية سياسية جديدة
وفي مقال له في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، قال مدير "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) السابق، الجنرال عاموس يدلين، إن قرار ترمب يشكل فرصة لبدء "عملية سياسية جديدة وفق متغيرات لم نعتد وجودها منذ ربع قرن".
واعتبر يدلين في مقاله أن الإعلان الأمريكي "أصاب أعصاب الفلسطينيين العارية، والذين لم يدركوا أن الساحة الدبلوماسية، التي فضلوها في السنوات الأخيرة، تمكن كلا الطرفين من المناورة، إذ أوضح خطاب ترمب للسلطة أن الوقت ليس لصالحها وأن المماطلة وتأجيل التوصل إلى حل، يساعد (إسرائيل) في الحصول على ما تريد".
وأشار يدلين إلى أن "المحور السني الذي تقوده السعودية، والذي يرى بطموح وبرنامج إيران النووي خطرًا وجوديًا، وكذلك تنظيم الدولة والإخوان المسلمين، سيكون شريكًا طبيعيًا لعملية السلام التي ستقدم وفق نموذج حديث".