100 سنة مرت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي على وعد "بلفور"، الذي يوصف بالمشؤوم والخطيئة البريطانية، فيما أتى حاكم البيت الأبيض دونالد ترامب هذه السنة بخطيئة أمريكية عندما نفذ وعده أمس، بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، والقاسم المشترك بين الوعدين، أنهما ممن لا يملك، لمن لا يستحق.
ومرت القدس بمحطات عدة عبر العقود الماضية، لم تتوقف فيها سياسات الاحتلال الإسرائيلي العدوانية ضد المدينة.
ووعد بلفور يطلق على الرسالة التي بعثها وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني 1917 إلى اللورد اليهودي ليونيل وولتر دي روتشيلد، يقول فيها: إن الحكومة البريطانية ستبذل جهدها لإنشاء "وطن قومي لليهود" في فلسطين.
ووافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947 على قرار تقسيم فلسطين (181) إلى "دولة يهودية" على 56% من المساحة الكلية لفلسطين، ودولة عربية على 43% منها، وتدويل منطقة القدس التي تشكل 1% من المساحة.
وفي 14 مايو/أيار 1948م، أعلن رئيس وزراء الاحتلال الأسبق ديفيد بن غوريون قيام (إسرائيل)، مستغلا الفراغ السياسي والعسكري الذي خلفه إنهاء حكومة الانتداب البريطاني وجودها في فلسطين.
وبينما اشترط مجلس الأمن الدولي في السابع من آذار/مارس 1949 لقبول (إسرائيل) عضولا كاملا في الأمم المتحدة، موافقتها على قرار التقسيم المذكور، وعودة وتعويض اللاجئين الفلسطينيين، فإن دولة الاحتلال لم تلتزم بذلك، وحظيت بالعضوية.
واتبعت قوات الاحتلال الإسرائيلي سياسة تهويد المدينة المقدسة، واستهداف الفلسطينيين –سكانها الأصليين- وامتد ذلك إلى حملات الاعتقال والقتل الميداني والملاحقات، وغير ذلك.
وعمدت سلطات الاحتلال إلى إحلال المستوطنين محل الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، في مخالفة لاتفاقية جنيف الرابعة، والمادة الثامنة من اتفاقية روما، والمادة 85 من البروتوكول الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف لسنة 1977.
وتحدت سلطات الاحتلال القرار رقم 303 (د4) في التاسع من ديسمبر/كانون الأول 1949م –الذي ينص على وضع منطقة القدس تحت الإدارة الدولية- عندما قررت رسميا نقل "عاصمتها" من (تل أبيب) إلى غربي القدس.
وأعقب ذلك أن نقل بن غوريون مكتبه إلى غربي القدس، حيث انعقد "الكنيست"، زاعما أن "القدس جزء لا يتجزأ من (إسرائيل)".
وفي 1967 أكمل الكيان الإسرائيلي احتلال القدس المحتلة، معلنا ضم شرقيها لغربيها، كما سرّع وتيرة الاستيطان ومصادرة الأراضي وهدم منازل المقدسيين، قبل أن يصدر قانونا في 1980م ينص على أن "القدس كاملة موحدة عاصمة (إسرائيل)".
ولم يفض اتفاق أوسلو الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي سنة 1993 إلى إقامة الدولة الفلسطينية على ما يعرف بحدود 1967 وعاصمتها شرقي القدس. وتقر السلطة بعدم تحقق أي تقدم في مسار التسوية.
الموقف الدولي والأمريكي
ولا يعترف المجتمع الدولي بالقدس "عاصمة" لدولة الاحتلال، بل يؤكد أن ضم شرقي القدس والاستيطان فيها منذ 1967 هو غير شرعي.
وفي 1967 صدر قرار يحمل رقم 2253 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، ينص على دعوة سلطات الاحتلال إلى إلغاء التدابير المتخذة لتغيير وضع القدس المحتلة.
كما أن مجلس الأمن الدولي قال في قرار في 25 سبتمبر/أيلول 1971: "يؤكد المجلس -بأبسط وأوضح صورة ممكنة- أن كل الإجراءات التشريعية والدستورية التي تتخذها (إسرائيل) لتغيير معالم المدينة، بما في ذلك مصادرة الأراضي ونقل السكان، وإصدار التشريعات التي تؤدي إلى ضم الجزء المحتل من المدينة إلى (إسرائيل)؛ كل ذلك باطل ولا أثر له، ولا يمكن أن يغير وضع المدينة".
كما صدر في الرابع من ديسمبر/كانون الأول 1995 قرار عن الجمعية العامة يتضمن "شجب انتقال البعثات الدبلوماسية إلى القدس".
ومرر الكونجرس قانون سفارة القدس عام 1995م، الذي يقضي بنقل السفارة من (تل أبيب) إلى القدس المحتلة، لكن الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ رئاسة بيل كلينتون مرورًا بجورج دبليو بوش كما باراك أوباما لجأت إلى استخدام استثناء تنفيذي، لتأجيل نقل السفارة، "من أجل مصلحة الأمن القومي الأمريكي".
لكن ترامب اعترف أمس، بالقدس المحتلة "عاصمة" لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
وبين وعدي بلفور وترامب، فإن الضحية هو الشعب الفلسطيني الذي لا يزال يعاني من الاحتلال والاستيطان وسلب مقدساته.