"محمد جمال رمضان" الملقب بـ"حَمُكَّة"، هو من رجال نخبة كتائب الشهيد عز الدين القسام، أبطال رواية "الزمرة"، للكاتب الأسير في سجون الاحتلال الإسرائيلي، القسامي "عمار الزبن".
"الزمرة" رواية خُطّت سطورها داخل سجن "رامون" في صحراء النقب المحتل، وأبطالها منهم من ارتقى شهيدًا، وهم الشهداء القساميون علاء أبو شمالة "قائد الزمرة"، وأحمد المدهون "سمارة"، وعماد مهنا، ومنهم من غيّبته سجون الاحتلال، وهما الأسيران محمد رمضان، وإبراهيم أبو شاويش.
تدور أحداث الرواية حول كمين لزمرة من مجاهدي وحدة النخبة القسامية، خلال معركة العصف المأكول عام 2014، في منطقة القرارة شرقي خانيونس جنوب قطاع غزة.
وتذكر الرواية أحداثًا تفصيلية عاشتها الزمرة القسامية خلال تواجدها في أحد الأنفاق، وانتظارها لجيش العدو عدة أيام، وانتهاءً بإيقاع جنود العدو في مقتلة الكمين.
واستقى كاتب الرواية الأسير الزبن معلوماته وأحداث القصة بالتفصيل من مجاهدين قساميين اثنين اعتُقلا خلال معركة العصف المأكول قبل ثلاثة أعوام.
يُذكر أن الأسير الزبن معتقل منذ 11/1/1998، ومحكوم بالمؤبد 26 مرةً، بتهمة الانتماء لكتائب القسام، والمشاركة في التخطيط لعمليتي "محنى يهودا" و"بني يهودا" بالقدس المحتلة عام 1997.
"حَمُكَّة" هو أحد أبطال الرواية، بطل القسام وفارس هذا التقرير، ولد في 14/1/1994، ودرس في مدارس خان يونس، ثم التحق بجامعة الأقصى لدراسة تخصص التربية الرياضية، وفق والده.
انقطعت أخباره
والده جمال رمضان، الذي يفخر ببطولته وشجاعته، وصف نجله بأنه، منذ الميلاد حتى الاعتقال، من الأبناء القلائل ذوي السلوك الحسن والانضباط والأخلاق الطيبة، والمثال للإنسان الملتزم.
"كان يحب ممارسة الرياضة والسباحة، ومن أهم رياضاته كرة الطائرة، وتميز فيها حتى أصبح كابتن نادي الأمل لكرة الطائرة في خان يونس، كما حصل على شهادة منقذ بحري قبل الاعتقال، ووصلتنا الشهادة بعد الاعتقال"، قال الوالد لـ"فلسطين".
وأضاف، متحدثًا عن بعض المحطات في حياة نجله: "درس محمد تخصص التربية الرياضية لمدة فصلين، ولم يكمل دراسته في هذا التخصص بسبب الاعتقال، لكنه حصل في أسره على بكالوريوس التاريخ من جامعة الأقصى".
وذكر أن الاحتلال اعتقله بتاريخ 24/7/2014، وأصدر بحقّه حكم بالسجن 12 سنة، موضحا أنه غاب عن المنزل منذ بداية الحرب، وانقطعت أخباره في آخر خمسة أيام منها، حتى تم وصلهم اتصال من سجن عسقلان لإخبارهم بأنه أسير.
وأشار رمضان إلى أن رواية الاحتلال تفيد بأن المجموعة أصابت ثمانية جنود بإصابات متوسطة وخطيرة، وكانت تهم بخطف جنود، في حين أظهرت رواية الزمرة أن المجموعة قتلت عددًا كبيرًا من الجنود في المكان.
وقال: "أول زيارة لابننا كانت في سجن (إيشل)، بعد اعتقاله بأربعة شهور، وقبل نطق الحكم بحقه، وكانت الزيارة الأصعب، حيث كانت بعد غياب طويل، رأيت محمدًا خلف لوح زجاجي، بعد أن اعتقدت أنه مفقود، بكيت، فسارع هو إلى رفع معنوياتي بصبره وإرادته القوية وهمته العالية".
وأضاف: "وجدته ضعيفا بعض الشيء، نتيجة الإصابة في الميدان والتحقيق والتعذيب، خاصة أنه قبل الاعتقال أمضى نحو 13 يوما يتناول بعض التمرات وكميات قليلة من المياه خلال وجوده في النفق"، موضحا أن الزيارات انقطعت بعد عامين من الاعتقال، إذ تم منعها في أكتوبر عام 2016، ثم صدر منع لجميع أهالي أسرى حماس من زيارة أبنائهم.
ويدرس "حمكة" علوم القرآن والتلاوة والتجويد في أسره، كما أنه مستمر في ممارسة بعض الألعاب الرياضية، ويحب الأسرى مشاهدته يمارس لعبة كرة الطائرة، وفق والده، الذي أوضح أنه سهل الاندماج مع الناس، ومحبوب ومتواضع، وأن كل من يعرفه أو يقابله يلمس فيه الأخلاق الحميدة والمحبة.
تنهد الوالد، ثم قال: "محمد، كل يوم نشعر به أمامنا يتحرك في البيت، هو حقيقة ترك فراغا كبيرا في حياتنا، وفي حياة كل من عرفه؛ لكنه يعيش بروحه بيننا"، متمنيا الحرية العاجلة لمحمد ورفاقه، وأن يعودوا لأحضان ذويهم.
أما رسالته للأسرى، كانت حثهم على الصبر والثبات، كونهم أصحاب قضية وأصحاب حق، وهم الأقوياء لأن قضيتهم عادلة، لا سيما أنهم وقفوا أبطالا وبإرادة صلبة أمام عنجهية الاحتلال وكسروا أنفه، على حد وصفهم.
طيفه يرافقنا
بدورها، أوضحت والدته "أم خالد" أنه منذ طفولته كان يتسم بالهدوء والسكينة والصمت، وكان دائما يسأل ويستمع للإجابة، كما كان ملتزما ويؤدي الصلوات الخمس في المسجد، وله نشاطات عديدة مع أصدقائه، خصوصا النشاطات الرياضية.
وقالت: "كان من طبعه أن يستشيرني دائما في أموره الخاصة، وكان مميزا في دراسته، وذكي جدا، لا يعتمد على أحد بل على نفسه، وعندما يهم بالدراسة يغلق على نفسه الغرفة ليكون مع الكتاب وفنجان النسكافيه الذي يفضله على غيره، وكان يحب تقديم الطعام بشكل مميز ومرتب، خاصة من يدي، ويحب تناول الطعام بشكل جماعي".
وأضافت: "كل لحظة تمر علينا نفتقده فيها، على سفرة الطعام، وفي غيرها من المواضع".
أما عن حادثة فقدانه وغياب أخباره، فتابعت: "كان غائبا عنا ولا نعرف مصيره، وكنا نعتقد أنه في عداد الشهداء، لكنني كنت أشعر به حيا، بأنفاسه وصوته وحركاته، وإحساسي به لم يخيبني".
"في ليلة من العشر الأواخر من رمضان، وبينما كنت أجلس على سجادة الصلاة وأدعو له، وإذ بالهاتف يرن، ويخبرني ضابط إسرائيلي أن محمد معتقل لدى الاحتلال، فتملّكني شعور بالفرح الممزوج بالحزن، وصليّت صلاة شكر لله لأن ابني حي يرزق".. هكذا عرفت أم خالد أن "حمكّة" على قيد الحياة.
وأوضحت أن لقب "حمكة" انتقل معه إلى السجن، ونطقه الضابط الإسرائيلي أثناء الاتصال، مشيرة إلى أنه التصق به عندما أطلقته عليه ابنة عمه الصغيرة، حيث لم تكن تستطيع النطق بشكل جيد.
وحول الزيارة الأولى لمحمد، بيّنت أنها "كانت مزيجًا من الفرح والحزن، خاصة أنه كان بيننا بالأمس، واليوم أصبحنا لا نراه إلا بعض الدقائق من وراء لوح زجاجي، ولا يسمح لنا باحتضانه أو لمسه".
وقالت: "كابرنا بإخفاء الألم والبكاء، حتى لا نُشعر الاحتلال أننا مهزوزون نفسيا؛ كيف لا؟ وقد غرسنا في ابننا روح المقاومة منذ الصغر، فهذا واجبنا الديني والأخلاقي".
واستطردت: "يجب الاستمرار بإرضاع الأجيال جيلا بعد جيل بحليب المقاومة وحب الجهاد في سبيل الله حتى النصر والتحرير"، معربة عن أملها باستقبال ابنها في مخيم الأمل حيث منزله في خان يونس مُحررا، واحتضانه طويلا.
وختمت حديثها لـ"فلسطين" بالقول: "الاحتلال أسر الجسد، لكنه لم يأسر الروح التي يرافقنا طيفها في كل مكان في المنزل".