فلسطين أون لاين

​عن "زُهدٍ" من نوعٍ آخر

...
صورة تعبيرية عن الطلاق
بقلم / ربا إسماعيل

لم أشأ يوماً الكتابة عن الأزواج والمتزوجين والعلاقة التي تربطهم مع أنني أسعى لتغيير الرابط بينهم للحب بكل الأحوال وأعلم يقينا أنه إن صلحت العلاقة بينهما صلح كل شيء وباتت الحياة تسير بانسيابية أعظم ولكني اكتفيت بتأجيل الأمر حتى يحين وقته تبعًا لمجتمعي وعاداته.

لكني حينما أستفز أشعر أن من واجبي الكتابة فربما يدركنا الفراق بعد لحظة والانتظار ليس من صالحنا دائما..

في البقعة التي أقطن بها وجدت عجباً عجاباً في العلاقات الزوجية على صغرها.. فكيف بالعالم أجمع.

وجدتُ سوءاً من قبل أزواج وخطأً من قبل زوجات.. وجدتُ وعياً منقوصاً وحباً عابراً يزول مع التملك فوراً وإني أكررها "حبا عابراً يزول مع التملك فوراً".

أعرف أحدهم بذل عمراً وسعياً لم أسمع أن رجلاً قبل ذلك بذل بعضاً منه.. تحدى مجتمعا بكامله للزواج من فتاة.. ثم تعلمون ماذا! ركلته بقدمها وزهدت فيه لأنه يحبها حقاً ويفعل ما تريد .. لم تدفعه رجولته لرد الركلة لأنه خُلق عظيماً بقلبه يدرك حقا ًمعنى "رفقاً بالقوارير"؛ وسيظل رجلاً مثالياً لكل من عرف قصته بتفاصيلها فهي التي لا تحكى أبدا في زمن وجد الحب الصادق بالكتب والروايات وربما بات الواقع ضعيفاً يختنق.

كثيرا ما يردد الرجال بعضا من العبارات كنصائح بينهم؛ "ما تترك الحبل سايب للمرة .. بتركبك! " وعلى شدة يأسي من هذه العبارة ومن الرجال الذين يرددونها وشعوري بسطوتهم وعنجهيتهم وجهلهم بالعلاقة الزوجية ..إلا أنني أصبحت الآن أدرك معناها ولم قيلت؛ بل أصبحت أقف لصف الرجل الصالح أحياناً إن لم تكن الزوجة صالحة؛ وإني أؤكد على الصلاح لأن كلامي دونه لن ينصف المرأة وإني مدافعة عنها.. وإن لم أكن نصيرتها فمن الذي ينصرها؟.

أما تلك فقدمت وأعطت وبذلت شيئا عظيما من أجل حفظ علاقتها مع زوج أساء لها بعد زواجهما بعام واحد فقط .. تخبرني فتقول: "والله يا ربا كان ميت انه يخطبني ورجع 7 مرات وبالآخر قبلت فيه واتفقنا على نقاط مفصلية بحياتنا وبعد الخطوبة بدت تتزعزع شوية شوية وبالآخر بعد الزواج تغير بمعاملتي عالآخر وبطل يقدرني ويحترمني وصرت مهما عملت وقدمت عالفاضي وهينا انفصلنا وانصدم بعدها لأنه ما كان متوقع أبدا ًإني أطلب الطلاق لشدة تمسكي وصبري عليه وحبي له رغم أي شيء ..لكن هيني خطبت وهوا مو راضي يتزوج بعدي لانه عارف إنه خسرني".

وبالطبع المجال هنا لا يتسع لذكر تضحيات النساء وصبرهن وتحملهن للرجال ..فهن اللواتي عرفن بذلك دوماً ولا جديد بالأمر وهن من يحفظن علاقاتهن الزوجية في كثير من الأوقات لأجل الأسرة والأبناء ولو كان على حساب أنفسهن.

غريبة هي الدنيا بكل محطاتها.. إن غمرتنا السعادة دائماً بحثنا وفتشنا عن شيء من حزن دفين فأيقظناه ..إن امتلكنا الحب والمودة والرحمة تعالينا وتكبرنا ووضعنا أسباباً تافهة لإزالتهم ..وبالنهاية ادعينا أننا مظلومون وأن الناس لا يفهمون قصتنا !

لكن بحق تعلمون ما الذي يحصل؟.. هل تعرفون ما معنى الزهد؟! هو مشكلتنا .. نحن حينما نتملك الشيء نضمن بقاءه وحبه فنزهد به ثم حين الفراق نبكي مرارا لأننا لن نجد مثله أو لأننا اعتدنا الحياة قربه.. نناجي الله ونحن بقمة تمزقنا أن يمنحنا نفسا آخر يبقينا على قيد الحياة علنا نلتقي بمن نحب مرة أخرى .. ولكن متى .. حينما لا يعود الزمن يقف لجوارنا!

لجهلنا أن الترك يحدث بغتة بعد كتمان عظيم وصبر طويل !

لذا نصيحتي أن تحفظوا علاقاتكم .. أن تباركوها .. أن تقدسوها .. أن تعلموا أن المرء طاقة تعطي وتعطي وتعطي ثم تنفد وتفنى ! كونوا أقوياء وضعوا مقادير للعطاء مع أعز الناس على قلوبكم في زمن شهدت الأنانية بين أفراده حتى بين الأزواج ..انتبهوا كثيرا وتذكروا علياً كرم الله وجهه من ملك مجامع الكلم حين قالها واختصر الحكاية كلها: "لا ترغب فيما زهد فيك".