أطراف عديدة راهنت على أن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وبعد ما واجهت من صعوبات مالية وسياسية عديدة خلال الأعوام الأخيرة، تآكلت وتراجعت شعبيتها، والبعض حاول أن يوظف استطلاعات رأي مختلفة للتدليل على ذلك. ولكن يبدو أن حماس مارست ردا عمليا خلال احتفالاتها في ذكرى انطلاقتها التاسعة والعشرين يبدد تلك الاتهامات، من خلال إظهار جماهيريتها وشعبيتها التي شهد لها المراقبون بالاتساع والانتشار الكبيرين.
أعداد المشاركين في فعاليات انطلاقة الحركة وفقاً للجهات المختصة في حماس الذين تحدثت معهم صحيفة "فلسطين" كانت قد فاقت توقعاتهم، بمشاركة مئات الآلاف من أبناء وأنصار الحركة، الذين احتفلوا بهذه الذكرى في محافظات القطاع الخمس.
التفاف واسع
وثمة عدة رسائل يمكن قراءتها من خلال تلك الفعاليات، فوفق الخبير الأمني والاستراتيجي د. محمود العجرمي، فإن الرسالة الأولى هي أن الالتفاف يؤكد أن الشعب يقدر عالياً الانجازات التي حققتها المقاومة بمراكمة نقاط قوة متواصلة في مواجهة جيش الاحتلال.
وقال العجرمي لصحيفة "فلسطين": "إن هذا الالتفاف اللافت في نظر كل المراقبين المحليين والدوليين يؤكد أن حماس فرضت معادلة جديدة وهي توازن الرعب مع الاحتلال".
والرسالة الثانية، وفقاً للعجرمي، أن هذا الالتفاف الجماهيري الكبير هو انعكاس لتفاؤل الفلسطينيين وعائلات الأسرى على قدرة حماس على إتمام صفقة وفاء الأحرار 2، نظرا لمصداقية الحركة حيال هذا الملف بدءا من إعلانها عن أسرها عددا من جنود وضباط الاحتلال.
مئات الآلاف
من جانبه، يؤكد مسؤول جهاز العمل الجماهيري في حركة حماس أشرف زايد مشاركة مئات الآلاف من أبناء وأنصار حماس في فعاليات الانطلاقة التاسعة والعشرين لها، وأنها فعاليات متميزة تؤكد التفاف الناس حول المقاومة، وثقتهم بنهج حماس وبرنامجها السياسي.
وقال زايد لصحيفة "فلسطين"، إنهم لم يتوقعوا هذه الأعداد والجماهير التي شاركت على مدار أسبوع كامل في فعاليات الانطلاقة على مستوى كافة المحافظات، وتنوعها من كافة الفئات العمرية، من الأطفال والنساء والشباب وكبار السن.
وعزا سبب تنظيم فعاليات مناطقية إلى إفساح المجال أمام أبناء وأنصار حماس للتفاعل معها.
وأوضح أن أهالي الشهداء والأسرى كانوا بمقدمة الصفوف، في رسالة قوية توجهها حماس لكل المعنيين أن الحشد المهيب يؤكد أن حماس تحتل مساحة متميزة بالشارع الفلسطيني رغم كل المعيقات والحصار، والأزمات المفتعلة من قبل الاحتلال وأعوانه.
وبين زايد أن حماس في بعض المناطق ستعيد النظر بأماكن الفعاليات التي نظمت فيها نظرا لأنها لم تعد تتسع لحجم جماهير حماس في محافظات قطاع غزة الخمس التي أجريت فيها الفعاليات.
رسائل للخصوم
ويوافق رأي المحلل السياسي تيسير محيسن، رأي العجرمي، وأكد أن الفعاليات أعادت التأكيد على أن حماس لا زالت تمثل قطاعا واسعا من الساحة الفلسطينية، وأنها لا زالت متمسكة بالمبادئ والتوجهات السياسية التي أعلنتها منذ انطلاقتها قبل 29 عاما.
وقال محيسن لصحيفة "فلسطين": "حماس تؤكد بأن حساباتها السياسية تجاه كل الملفات تنطلق من عمق المبادئ التي تنتمي إليها، وأنها متمسكة بثوابتها رغم كل الصعوبات التي واجهتها، وأن أي محاولة لثنيها عن مسارها لن تجدي نفعا، وأن على جميع الاطراف في العالم والإقليم أن يعيدوا النظر في بناء مواقفهم مع حماس".
وأضاف: "إن الحشود الكبيرة التي احتشدت في كل محافظات قطاع غزة، دفعت بخصوم حماس إلى الاستسلام أمام هذه الفعاليات الكبيرة، خاصة أن الجماهير احتشدت في ظل طقس ماطر وصقيع ويفترض أن لا يجازف الناس بالحضور، ولكن خرجوا بهذه الألوف المؤلفة".
أما حول الجانب العسكري، والقول لمحيسن، فإن الخطاب الرئيس تضمن رؤية حماس في علاقتها مع الاحتلال وحالة الصدام المستمر معه، لأن العمل العسكري في رؤية حماس هو العمود الفقري لبقائها ووجودها.
وبين أن حماس لا تزال في عيون الكثيرين من الأمة العربية والإسلامية حركة تحرر وطني، من حقها الدفاع عن نفسها بوسائل شتى.
وذكر أن المظاهر العسكرية التي منحتها حركة حماس جانباً من احتفالات الانطلاقة، تشكل دليلاً على إصرارها على مواصلة التمسك بخيار المقاومة المسلحة.