توحي أشجار الزيتون التي تحيط بقرية قصرة جنوب غرب مدينة نابلس بالسلام، لكنها ما رأت منذ احتلال فلسطين، سلاما.
رصاصات غادرة اخترقت جسد الفلسطيني محمود زعل عودة (48 عاما) في أرضه بمنطقة رأس النخل شرق القرية، الخميس الماضي، لم تكن الأولى التي يوجهها المستوطنون نحو الفلسطينيين، أصحاب الأرض الأصليين.
رحل عودة شهيدا، بعد وقت قصير من الهجوم الذي تعرض له على يد خمسة من المستوطنين، فيما لا يزال قرابة 5 آلاف مواطن فلسطيني هم عدد سكان القرية –بحسب مراقبين- عرضة للاعتداءات، التي لا تتوقف.
يقول الخبير في شؤون الاستيطان عبد الهادي حنتش، إن هذه القرية تقع بالقرب من مستوطنة إيتمار التي ينطلق منها المستوطنون باستمرار لشن هجماتهم واعتداءاتهم على المواطنين الفلسطينيين وأشجارهم في المنطقة.
ويتمتع هؤلاء المستوطنون بحماية قوات الاحتلال الإسرائيلي، بحسب حنتش، الذي يشير إلى أن المستوطنات والبؤر الاستيطانية القريبة من القرية، فيها "قيادات المستوطنين والمنظمات الصهيونية".
ولم تتخذ سلطات الاحتلال أي إجراءات لثني هؤلاء المستوطنين عن مواصلة اعتداءاتهم وجرائمهم بحق أهالي القرية.
ويضيف حنتش، أن عشرات المواطنين تعرضوا للضرب ولحرق منازلهم، قائلا: "أكثر المستوطنين تطرفا موجودون في مستعمرة إيتمار وأكثر القرى التي تتعرض لاعتداءات هؤلاء المستوطنين هي قرية قصرة".
وإنْ كنت تسير في شوارع قرية قصرة فأنت عرضة لاعتداءات المستوطنين، وفق حنتش.
وينفذ المستوطنون وقوات الاحتلال جرائمهم بحق أهالي القرية والقرى المجاورة لها أيضا بصفة يومية، بينما يعمل المواطنون على الدفاع عن أنفسهم قدر الإمكان.
وعن سؤال: هل هناك لجان شعبية للدفاع عن أهالي القرية؟ يجيب: "نعم، هناك لجان شعبية تقوم بحراسة أراضي القرية والمواطنين، وسبق لها أن صدت العديد من المستوطنين بل واعتقلت قسما منهم".
ويقول إن هؤلاء المستوطنين تم تسليمهم لسلطات الاحتلال عبر السلطة الفلسطينية، مبررا ذلك بأنه إذا لم يتم تسليمهم فإن سلطات الاحتلال ستقوم بهدم القرية وارتكاب جرائم كبيرة بحق المواطنين.
وفي الوقت نفسه، يوضح أنه ليس بمقدور أجهزة أمن السلطة الدخول للقرية للدفاع عن المواطنين، بحجة أن قوات الاحتلال تحظر عليها ذلك، ولو دخلت سيؤدي ذلك إلى اشتباكات بينها وبين الأخيرة.
ورغم ذلك، يبين حنتش أن "أهالي القرية قاموا مشكورين بالدفاع وضرب مستوطنين أيضًا، الأمر الذي يمكن أن يؤثر تأثيرا إيجابيا على المواطن الفلسطيني بحيث يفكر المستوطنون مرات عديدة قبل أن يهاجموه".
لكن المستوطنين المدججين بالسلاح لا تكافؤ بين قوتهم وإمكانات المواطنين، لكن حنتش يقول: "إرادة الفلسطيني أقوى".
ومستوطنة إيتمار، أنشئت سنة 1984 جنوب شرق مدينة نابلس على أراضي قرى وبلدات: عورتا، وروجيب، وبيت فوريك، ويانون. وهذه المستوطنة تابعة لحركة "غوش أمونيم"؛ أقيمت على أيدي طلاب معهد "مئير" في القدس.
"قرار أهالي قصرة"
ويصف الناشط ضد الاستيطان خالد منصور، قرية قصرة بأنها "أبية"، لافتا إلى أنه يحيط بها مستوطنات وبؤر استيطانية من كل جهة، وتتعرض لمصادرات واعتداءات دائمة.
لكن منصور يؤكد لصحيفة "فلسطين"، أن أهالي "قصرة" قرروا ألا ينحنوا لقطعان المستوطنين وقوات الاحتلال، وبالتالي خرجوا في كل المرات لمواجهة هذه الاعتداءات.
ويتابع: "كلنا نتذكر قبل عامين تقريبا عندما ألقى أهالي قصرة القبض على عدد من المستوطنين وأشبعوهم ضربا دفاعا عن النفس، إلى أن جاء الارتباط وجرت مفاوضات وتم تسليمهم".
ويشير منصور، إلى أن "قصرة لقنت المستوطنين درسا لن ينسوه، ومازالت صور إذلالهم في كل وسائل الإعلام العالمية".
ويلفت إلى أطماع "شرسة" من المستوطنين بأراضي قرية قصرة، واصفا ما يحدث بأنه حرب على هذه القرية "التي لن تستسلم وستظل تقاوم".
ويذكر منصور أن من المستوطنات القريبة من "قصرة"، مستوطنة ميجداليم عام 1984، التي أقيمت على الطريق المؤدي إلى الغور، على أراضي قرى وبلدات: قصرة، وجوريش، ومجدل بني فاضل. وجميع أبنيتها دائمة، وهي تتقاطع مع مستوطنات المحور الجنوبي لمحافظة نابلس (شيلو"، و"عيلي"، ومعالية لفونا)؛ وتشرف أيضًا على غور الأردن؛ إضافة إلى إشرافها على طريق ألون وطريق عابر السامرة.
ومنذ 1967م أقام الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية 196 مستوطنة تشمل مستوطنات القدس إلى جانب نحو 100 بؤرة استيطانية عشوائية، ويسكن تلك المستوطنات ما يزيد عن نصف مليون مستوطن على مساحة تقدر بـ196 كم2، بحسب مراقبين.
ومع دفاع الفلسطينيين عن أنفسهم بالإرادة أولا وما يملكون من أسباب القوة ثانيا، فإنهم يبقون في انتظار تحقق العدالة بإزالة الاحتلال والاستيطان المدجج بالسلاح الغاشم عن أرضهم.