بينما تتسرب الأخبار تباعًا عن "طبخة التسوية" التي لم يعلن البيت الأبيض رسميًا عنها بعد، يهاجم قادة الاحتلال سلاح المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، لا سيما مع مساعي تحقيق المصالحة الوطنية بما يشمل الملف الأمني، وهو ما يدفع أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة د. حسن نافعة، إلى تأكيد أن سلاح المقاومة "هدف إسرائيلي، ولا يجب أن يكون هدفا فلسطينيا".
ويسود اعتقاد على نطاق واسع، بأن السلطة تسعى إلى تطبيق سياسة التنسيق الأمني المعروفة في الضفة الغربية على قطاع غزة، خصوصا مع الدعوات المتكررة لمسؤوليها ومنهم رئيسها محمود عباس، إلى "سلاح واحد". ورغم تسلم الحكومة معابر القطاع بداية الشهر الجاري، فإن رئيسها رامي الحمد الله ربط عملها بالملف الأمني استباقا لاجتماع الفصائل الذي انعقد في القاهرة الثلاثاء الماضي، والذي حمل توجها فتحاويا للتركيز على "تمكين" الحكومة، بدلا من ملفات أساسية كمنظمة التحرير وحكومة الوحدة الوطنية وما شابه، بحسب مسؤولين فلسطينيين حضروا الاجتماعات.
ويقول نافعة لصحيفة "فلسطين": "سلاح المقاومة هدف إسرائيلي ولا يجب أن يكون هدفا فلسطينيا، ولكن على (حركة المقاومة الإسلامية) حماس أن تساعد السلطة الفلسطينية في الاطمئنان إلى أن هذا السلاح لن يستخدم مرة أخرى لتحقيق أهداف سياسية داخلية".
ويضيف: "يجب التعامل مع هذا الملف بأقصى قدر ممكن من الوطنية ورفع شأن المصلحة الوطنية الفلسطينية العليا فوق كل اعتبار، وخصوصا مصالح الفصائل الفلسطينية".
كان رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية، قال في لقاء متلفز، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي: "سلاح الحكومة والشرطة وأجهزة الأمن الحكومية هذا بالتأكيد سلاح واحد، وهناك سلاح المقاومة طالما أن هناك احتلالا صهيونيا على الأرض الفلسطينية فمن حق شعبنا أن يمتلك سلاحه وأن يقاوم هذا الاحتلال بكل أشكال المقاومة".
من جهة ثانية، يشدد نافعة، على أن "تجويع الناس أو حرمانهم من مقومات الحياة الأساسية هو عمل غير مشروع وينافي قواعد القانون الدولي وحتى في حال الحروب، هذه الأمور يجب أن تكون مصانة وبعيدة عن الابتزاز والاستخدام كوسيلة للضغط السياسي".
ورغم تسلم الحكومة وزارات ومعابر القطاع، فإن الإجراءات العقابية التي اتخذتها السلطة منذ مارس/آذار الماضي وطالت رواتب موظفيها في غزة دون الضفة الغربية، والكهرباء ومناحي إنسانية أخرى، لم ترفع بعد. وترفض الحكومة منذ تشكيلها في أبريل/نيسان 2014 صرف رواتب الموظفين الذين عينتهم الحكومة السابقة برئاسة هنية في قطاع غزة.
لكن نافعة يقول: "ربما يكون (عدم حل أزمة الرواتب رغم توقيع اتفاق المصالحة في 12 أكتوبر الماضي بين فتح وحماس) لأسباب فنية تتعلق بأعداد الذين تم تعيينهم في قطاع غزة بعد تخلي السلطة الفلسطينية عن هذا القطاع"، معربا عن أمله في التوصل "لتسوية تحقق مصالح الشعب الفلسطيني".
وبشأن إعلان القاهرة الذي أعقب اجتماع الفصائل مساء الأربعاء الماضي، والذي رأى مراقبون أنه خلا من تقدم فعلي نحو تطبيق الاتفاقات، يقول نافعة: "العلاقات الفلسطينية الفلسطينية معقدة، وفتح وحماس تتحملان المسؤولية الكاملة عن عدم التوصل لاتفاق، وعليهما أن تدركا أنهما ليستا في حاجة إلى وسيط لإعلاء مصالح الشعب"؛ على حد قوله.
ويشار إلى أن حماس بادرت في 17 من سبتمبر/أيلول الماضي في القاهرة، بإعلان حل اللجنة الإدارية الحكومية في غزة؛ "استجابة للجهود المصرية الكريمة"، ودعت حكومة الحمد الله إلى القدوم إلى غزة؛ لممارسة مهامها والقيام بواجباتها فورا.
"مقلق جدًا"
وفيما يتعلق بتقييد واشنطن إعادة ترخيص مكتب منظمة التحرير، قال أستاذ العلوم السياسية: يبدو أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تريد استخدام هذه المسألة كورقة ضغط على السلطة لحملها على الدخول في مفاوضات فورية مع دولة الاحتلال والإبقاء على ذلك سلاحا مستمرا للضغط للتوصل إلى تسوية بالشروط الإسرائيلية أو للاقتراب مما يسمى بـ"صفقة القرن" التي يقال إن حاكم البيت الأبيض يريد التوصل إليها.
وردا على سؤال: هل ستكون السلطة بصدد تقديم "تنازلات" لواشنطن؟ يجيب: "أتمنى ألا يكون ذلك صحيحا، وأي تنازلات تقدمها لمجرد الإبقاء على مكتبها مفتوحا في واشنطن يعريها تماما أو يجعلها عرضة للابتزاز".
وينصح نافعة السلطة "بألا تتجاوب أبدا مع الشروط الأمريكية حتى ولو أدى الأمر إلى إغلاق مكتب فلسطين (المنظمة) هناك"، معتبرا أن إغلاق المكتب لا يعيق السلطة عن أداء "مهامها الحقيقية للدفاع عن القضية الفلسطينية" ولن يضر المنظمة بشيء "بل على العكس قد يجعل المنظمة حرة في اتخاذ ما تراه ملائما والدفاع عن القضية الفلسطينية على مختلف الساحات الدولية".
ويرى المحلل السياسي أن ما نشرته الصحف العبرية عن "صفقة القرن" "مقلق جدا، ولا يمكن أن يؤدي لتسوية حقيقية أو عادلة".
وكانت القناة 12 الإسرائيلية كشفت الشهر الجاري، عما قالت إنها المبادئ الأولى لخطة ترامب للتسوية، ومنها أن إقامة دولة فلسطينية ليست بالضرورة على حدود 1967م، لكنها أيضًا قد تتضمن تبادل أراض؛ وفق القناة المذكورة.
ويشير نافعة إلى أنه إذا كان ما نشر يعكس طريقة ترامب في التفكير، فهذا لا يختلف إطلاقا عن طريقة التفكير الإسرائيلي، ومعناه أن "صفقة القرن" ستكون إملاءً للشروط الإسرائيلية على السلطة.
ويؤكد ضرورة رفض ذلك "جملة وتفصيلا" منذ البداية ورفض الدخول في أي مفاوضات مع (إسرائيل) إلا إذا كانت الأخيرة على استعداد لتطبيق قرارات مجلس الأمن والقرار 194 الخاص باللاجئين الفلسطينيين.
ويتابع: "من مصلحة السلطة أن تقاوم الضغوط الأمريكية، والمحافظة على الوحدة الفلسطينية في هذه الحالة يصبح أمرا جوهريا وضروريا ويجب أن تتمسك به السلطة وحماس".
وفيما يخص قرار رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الجمعة الماضية، بتفريغ محيط القدس المحتلة من تجمعات البدو الفلسطينيين، يوضح نافعة أن دولة الاحتلال لم تتنازل إطلاقا عن سعيها لتحويل القدس المحتلة بشرقيها وغربيها إلى "عاصمة" لها".
ويحذر من أن (إسرائيل) "في طريقها لكي تصبح القدس مدينة يهودية بالكامل"، مبينا أنها "تعتبر أن قضية القدس أهم حتى من قضية الدولة الإسرائيلية نفسها أو حدودها".
ويتمم أستاذ العلوم السياسية: (إسرائيل) لن تقدم أي تنازلات حول موضوع القدس ولن تسمح بالمطلق بأن تصبح شرقي القدس عاصمة للدولة الفلسطينية.