لم يكن عام 2025 عامًا عاديًا في مسيرة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، بل شكّل، وفق توصيف خبراء ومتابعين، ذروة غير مسبوقة من الاستهداف السياسي والقانوني والمالي، وضَعَ الوكالة على حافة الانهيار.
وشكّل الاستهداف الذي قادته دولة الاحتلال بدعم مباشر من الإدارة الامريكية انعكاساً مباشراً لحرب شاملة على الوجود الفلسطيني نفسه، ففي قطاع غزة حيث يعتمد أكثر من مليوني انسان على خدمات أونروا بوصفها شريان الحياة الأخير، تزامن القصف والتجويع مع حملة سياسية وقانونية غير مسبوقة استهدفت الوكالة الأممية، في محاولة واضحة لفصل الكارثة الإنسانية عن جذورها السياسية، وإنهاء الشاهد الأممي الوحيد على قضية اللاجئين الفلسطينيين.
يقول مدير عام الهيئة (302) للدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان علي هويدي، إن 2025 كان الأخطر منذ تأسيس الوكالة عام 1949، في سياق هجوم استراتيجي تقوده (إسرائيل) بدعم أمريكي مباشر، ويستهدف جوهر قضية اللاجئين الفلسطينيين.
ويؤكد هويدي لصحيفة "فلسطين"، أن خطورة عام 2025 تجلّت في وصول النقاش داخل أروقة الإدارة الأمريكية إلى مراحل متقدمة حول تصنيف الأونروا "منظمة إرهابية أجنبية"، وهو تطور لم يحدث في أي مرحلة سابقة.
وبالتوازي مع ذلك، صعّد الاحتلال الإسرائيلي من إجراءاته الميدانية، وكان أبرزها اقتحام مقر الأونروا في حي الشيخ جراح بالقدس، ومصادرة ممتلكاته، وإنزال علم الأمم المتحدة ورفع علم الاحتلال فوقه، في انتهاك صارخ للحصانة الدولية التي تتمتع بها مقار الأمم المتحدة، وفق هويدي.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، إذ أقرّ الكنيست الإسرائيلي تعديلات قانونية تهدف عمليًا إلى شلّ عمل الأونروا في الضفة الغربية وقطاع غزة وشرقي القدس المحتلة، من خلال وقف تزويد مراكزها بالمياه والكهرباء، في خطوة اعتبرها هويدي تمهيدًا مباشرًا لمصادرة ممتلكات الوكالة وإنهاء وجودها.
قرارات أممية
في تشرين الأول/أكتوبر 2025، صدر رأي استشاري عن محكمة العدل الدولية، أعلى سلطة قضائية في الأمم المتحدة، برّأ الأونروا من الاتهامات المتعلقة بانتهاك الحياد أو ارتباط موظفيها بحركات سياسية، وهو ما شكّل، بحسب هويدي، "شفاعة قانونية" مهمة للوكالة أمام الحملة الإسرائيلية والأمريكية. إلا أن هذا القرار، رغم أهميته، لم يُترجم إلى دعم مالي أو سياسي فعلي، وبقي تأثيره محدودًا على أرض الواقع.
ومن أخطر مؤشرات عام 2025، كما يوضح هويدي، التقرير الذي أعده البريطاني إيان مارتن في يوليو/تموز 2025، بتكليف من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، لتقييم مستقبل الأونروا.
وتضمّن التقرير أربعة سيناريوهات، من بينها نقل مهام الوكالة إلى الدول المضيفة والسلطة الفلسطينية، والدعوة إلى تمويلها عربيًا بدلًا من المجتمع الدولي، ما اعتُبر نزعًا للمسؤولية عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتهديدًا مباشرًا لولاية الأونروا القانونية والسياسية.
ويضيف هويدي أن الخطر لم يأتِ فقط من الخارج، بل أيضًا من داخل إدارة الأونروا نفسها، حيث جرى، في نظره، تجاوز لتفويض الوكالة عبر زجّها في مسارات سياسية تتماشى مع مشاريع ما يُسمى "حل الدولتين"، بما يتناقض مع طبيعتها كوكالة أممية إنسانية.
ويستشهد بتصريحات نائبة المفوض العام، أنطونيا دي ميو بايار، في مايو/أيار 2025، التي تحدثت عن نقل إدارة الأونروا إلى جهة فلسطينية، وإعادة موظفيها كموظفين مدنيين، وهو ما وصفه بـ"المؤشر الخطير".
كما التزمت الأونروا بتنفيذ التوصيات الخمسين التي طرحتها وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاترين كولونا في نيسان/أبريل 2024، وامتد تنفيذها إلى 2025. هذه التوصيات، وفق هويدي، تضمنت مقترحات لإدارة الوكالة من جسم دولي خارج إطار الأمم المتحدة، إضافة إلى المساس باتحادات العاملين في الأونروا، التي تمثل نحو 30 ألف موظف، وتُعد صوتًا لملايين اللاجئين.
في السياق نفسه، استخدم الاحتلال ملف المساعدات الإنسانية كورقة ضغط، مشترطًا إدخالها إلى غزة بإنهاء عمل الأونروا، وتغيير مسمى "المخيمات" إلى "أحياء"، في محاولة لطمس البعد القانوني لقضية اللاجئين.
وعلى الصعيد الأوروبي، شهد عام 2025 تراجعًا ملحوظًا في الدعم، إذ امتنعت خمس دول أوروبية (ألمانيا، إيطاليا، التشيك، بلغاريا، وهولندا بتحفظ) عن التصويت على تمديد ولاية الأونروا حتى يونيو/حزيران 2029، ما اعتبره هويدي مؤشرًا مقلقًا.
رافق ذلك تصاعد حملات التشويه، بما فيها محاولات لتفريغ المناهج التعليمية التي تعتمدها الأونروا من محتواها الوطني، وإنتاج أفلام دعائية في الولايات المتحدة تتهم الوكالة برعاية "الإرهاب". كما استمرت الأزمة المالية، حيث أعلنت الأونروا عن عجز يُقدّر بنحو 200 مليون دولار حتى مارس/آذار 2026، في ظل ضعف مساهمات الدول العربية التي لم تتجاوز 3% من الميزانية، رغم أن المفترض أن تبلغ 7.8%.
يؤيد ذلك مدير المكتب التنفيذي للاجئين في الضفة الغربية ناصر شرايعة، الذي أكد أن عام 2025 شهد الهجمة الأقوى والأعنف على "أونروا" منذ تأسيسها، حيث تمادى الاحتلال في تضييق الخناق عليها وإنهاء خدماتها في مختلف مناطق.
ويوضح شرايعة لـ"فلسطين"، إن الهجمة الشرسة التي شنها الاحتلال ضد أونروا تمثلت بإغلاق مقرها الرئيس في حي الشيخ جراح بالقدس ومدارس وعيادات في مخيم شعفاط، وفي البلدة القديمة وشن هجمة على موظفي "أونروا" ومؤسساتها في قطاع غزة واتهامها بمساندة الإرهاب هي مقدمة لإنهاء خدماتها في غزة أيضاً.
ولم تسلم مخيمات شمال الضفة من الهجمة المسعورة للاحتلال ضد "أونروا"، إذ أن الاحتلال يشترط على عودة اللاجئين لمخيمات جنين وطولكرم ونور شمس بإغلاق مؤسسات الوكالة وإنهاء اسم "مخيمات" وتحويلها إلى "أحياء"، مشدداً على أن "الوكالة هي المؤسسة الأقدر على تقديم الخدمات اللازمة للاجئين".
مستقبل قاتم
ويحذر هويدي من أن التسريبات حول مقايضات سياسية، تسمح بدور مؤقت للسلطة الفلسطينية في غزة مقابل تسويق غربي لإنهاء عمل الأونروا في الضفة والقدس، إضافة إلى تقارير أوروبية تشكك بدور الوكالة في سوريا، تنذر بتوسيع دائرة الاستهداف.
ويختم بالقول إن الأونروا باتت على "شفير الهاوية"، وإن عام 2026 قد يكون أشد خطورة ما لم تُتخذ إجراءات فلسطينية وعربية ودولية عاجلة، عبر مسارات شعبية وسياسية وقانونية وإعلامية، لحماية الوكالة وتحصينها، باعتبارها ركيزة سياسية وقانونية وإنسانية لقضية اللاجئين الفلسطينيين، حتى تحقيق حق العودة.
فيما توّقع شرايعة أيضاً، أن يشهد العام القادم هجمة أقوى ضد الأونروا خصوصاً أن العالم يكيل بمكيالين تجاه الشعب الفلسطيني، وأنه لا يستطيع مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية و(إسرائيل).
وختم حديثه "قد يكون العام القادم الأعنف والأقسى على الشعب الفلسطيني واللاجئين والمؤسسات التي تقدم الخدمات لهم وتحديداً الأونروا".