لم تكن مدينة القدس المحتلة، عاصمة فلسطين الأبدية، بمعزل عن السياسات الإسرائيلية في 2025. فقد سعت حكومة الاحتلال برئاسة اليميني المتطرف بنيامين نتنياهو، إلى تنفيذ خطط وضعها الكيان قبل سنوات طويلة وجاءت الفرصة المواتية لتطبيقها على الأرض، مستغلة انشغال العالم بحرب الإبادة الجماعية على غزة.
وحسبما يؤكد لـ "فلسطين أون لاين" متحدثان متخصصان في شؤون الاستيطان والقدس، فإن الخطط الإسرائيلية استهدفت بالدرجة الأولى تهويد المدينة، وابتلاع المزيد من أراضيها، واستهداف الإنسان المقدسي الذي يتعرض لسلسلة انتهاكات لا حد لها تهدف إلى تهجيره خارج أسوار العاصمة الفلسطينية.
في هذا السياق، يقول مدير الخرائط في جمعية الدراسات العربية الدكتور خليل التفكجي: إن الاحتلال استغل ظروف حرب غزة على اعتبار أنها فرصة مواتية تمامًا خاصة فيما يتعلق بالدعم الأمريكي والأوروبي من أجل تنفيذ المزيد من مشاريع الاستيطان والتهويد في القدس.
وأوضح التفكجي أن من بين خطط ومشارع التهويد الإسرائيلية ما هو قديم وأخرى جديدة، حتى وصل الأمر إلى تركيز اهتمامه على إقامة ما تعتبرها (إسرائيل) مؤسسات "سيادية" داخل أسوار القدس بادعاء أنها "عاصمة" له.
تأتي هذه الإجراءات بعد سنوات من الإعلان المزعوم لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب، في ولايته الرئاسية السابقة، أن القدس "عاصمة" لكيان الاحتلال، سنة 2018، وهو ما أثار سلسلة ردود فعل محلية وعربية ودولية مناوئة ورافضة لهذا الإعلان.
وأكد التفكجي أن الاحتلال يمارس عملية إذابة بين شطري القدس، الغربية وفيها أغلبية يهودية، والشرقية حيث يتركز الوجود الفلسطيني فيها، وصولاً إلى مرحلة لا يمكن فصلهما عن بعض مرة أخرى مستقبلاً، وذلك ضمن البرنامج الإسرائيلي الهادف إلى تطويق الأحياء المقدسية بالمستعمرات، واختراقها بمشاريع تهويدية، وتشتيت الوجود الفلسطيني فيها عبر إقامة البؤر الاستيطانية داخل الأحياء الفلسطينية.
وأضاف، إن (إسرائيل) تركز اهتمامها على تنفيذ هذه الخطط ولوحظ ذلك بشكل كبير في عدة أحياء فلسطينية بالقدس، منها الشيخ جراح، وبلدتي صفافا، وشعفاط.
ونبَّه إلى أن الاحتلال يسير بوتيرة متسارعة لإقامة أكبر مستعمرة في شمالي القدس لإكمال تطويق المدينة، وإزالة مطار القدس الذي يعد جزءًا من السيادة الفلسطينية.
وتابع: "ما يجري في القدس ليست عملية استيطان بقدر ما هي خطوات متسارعة للتخلص من المواطنين الفلسطينيين انطلاقًا من مساعيه لجعلهم أقلية عربية تسكن مدينة القدس مقابل أغلبية يهودية ضمن برنامج إسرائيلي وضع سنة 1973."
وتسعى (إسرائيل) لتحقيق ذلك، وفق التفكجي، من خلال هدم المنازل وطرد المقدسيين وسحب الهويات منهم، وإحلال المزيد من المستوطنين اليهود بدلاً منهم.
من جهته، قال رئيس مركز القدس للحقوق الاقتصادية والاجتماعية زياد حموري، إن "سياسات الاحتلال وخططه تسببت بتهويد القدس من ناحية جغرافية، وما لم يهود منها لا يتعدى 5 بالمئة فقط، وقد وصل إلى مرحلة إضفاء اللمسات الأخيرة على ذلك."
وأضاف حموري، إن "البناء الاستيطاني مستمر عبر إنشاء وحدات جديدة وتوسيع مستوطنات أخرى والسيطرة على أراضي وأحياء فلسطينية بالقدس وطرد أصحابها."
وأشار إلى أن التهويد الإسرائيلي متعدد الأشكال، ويشمل تغيير أسماء أحياء وشوارع ومناطق كاملة بالقدس، وإضفاء صبغة استيطانية لا علاقة لها بالتاريخ العربي الفلسطيني أو الإسلامي، وذلك ضمن هجمة الاحتلال على القدس، في وقت يصعد فيه من انتهاكاته بحق المسجد الأقصى المبارك.
ويتزامن ذلك -وفق حموري- مع تصاعد وتيرة هدم المنازل في مناطق متفرقة من أحياء وبلدات القدس، ومن المتوقع تنفيذها خلال الأسابيع المقبلة، بينما وافقت حكومة الاحتلال على إقامة 9 آلاف وحدة استيطانية ضمن مرحلة أولى من المتوقع أن يتلوها قرار إسرائيلي جديد برفع عددها ليبلغ 20 ألف وحدة استيطانية في منطقة قلنديا، شمالي القدس، سيرافقها أيضًا تطوير منطقة صناعية مجاورة تخدم الاحتلال ومستوطنيه.
وكشف عن أن هذا المخطط يهدف إلى فصل مدينة القدس بالكامل عن مدينة رام الله، وإكمال تطويق عاصمة فلسطين الأبدية، ما يترك تداعيات خطيرة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لأهالي القدس الذين يواجهون واقعًا صعبًا بفعل سياسات الاحتلال.