تتملك الحسرة قلوب أهالي حيّ الشجاعية شرق مدينة غزة، وهم عاجزون عن العودة إليه حتى اللحظة، لوقوعه خلف ما يُسمّى “الخط الأصفر”، الذي يلتهم نحو تسعين بالمئة من مساحته، ولا يُبقي لهم سوى “فتات”، حتى إن العيش داخله بات بالغ الصعوبة، بسبب قربه من مناطق تمركز جيش الاحتلال الإسرائيلي.
ووفق اتفاق الهدنة بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة، الذي دخل حيّز التنفيذ في العاشر من أكتوبر الماضي، يُبقي “الخط الأصفر” تسعين بالمئة من حي الشجاعية تحت سيطرة جيش الاحتلال، ما يحول دون وصول السكان إليه. ولم تتوقف المأساة عند هذا الحد، فحتى العشرة بالمئة المتبقية، التي يُفترض إمكانية العيش فيها، ما زالت منطقة شديدة الخطورة لقربها من الخط الأصفر.
يقول الشاب رمضان أبو سكران، أحد القاطنين بالقرب من الخط الأصفر، في حديثه لـ“فلسطين”: “ما زالت أغلب مناطق الشجاعية، كسوق الخضرة، ومنطقة السيد علي، والجديدة، ومدارس الوكالة، تحت سيطرة جيش الاحتلال، أما المنطقة المحيطة بمفترق الشجاعية وسوق البسطات فتُعد خارج الخط الأصفر، لكن الحياة فيها مخيفة، ما دفع الناس للابتعاد عنها لمسافة تقارب ثلاثمئة متر”.
ويضيف: “حتى الآن لم تشهد الشجاعية أي أجواء للهدنة، إذ تتعرض يوميًا للقنص والقصف بطائرات الاحتلال، وتفجير العربات المفخخة، وإطلاق النار العشوائي الذي يصل إلى خيام النازحين غرب الخط الأصفر”.
ويؤكد أبو سكران أن هذه الظروف تجعل حياة المواطنين القريبين من الخط الأصفر في الشجاعية بالغة الصعوبة، موضحًا أن “جيش الاحتلال ينفذ عمليتي تمشيط يوميًا، تشملان إطلاق نار عشوائي وكثيف، الأولى في ساعات الفجر الأولى، والثانية عند حلول المساء، ويتخللهما أيضًا إطلاق قذائف صوتية وأخرى متشظية، تصل شظاياها إلى خيام النازحين”.
ويتابع بالقول: “هذه الأوضاع الصعبة أجبرت عددًا من العائدين على النزوح مجددًا باتجاه غرب غزة، خاصة في ساعات الليل، حيث يبيتون لدى أقاربهم، أو في مراكز الإيواء، أو في المستشفى المعمداني، مع تصاعد وتيرة قصف الاحتلال خلال ساعات المساء”.
ويشير إلى أن عدد الأسر العائدة إلى الشجاعية حتى الآن يقارب 215 أسرة، يتركز وجودها في منطقتي منتزه الشجاعية والطوابين، ويعيشون ظروفًا معيشية قاسية، في ظل انعدام مقومات الحياة، باستثناء المياه المالحة، التي اضطروا إلى إيصالها إلى خيامهم عبر تمديدات على نفقتهم الشخصية.
ويشرح بالقول: “أما المياه العذبة والمساعدات الإغاثية والإنسانية فلا تصل إليهم، بسبب عزوف المؤسسات الإغاثية والمبادرين عن الوصول إلى المنطقة لخطورتها، إذ إنها مكشوفة لقناصة الاحتلال، ولا تفارق طائرات (الكواد كابتر) أجواءها، فضلًا عن انتشار الكلاب الضالة ليلًا، ما ينشر الذعر في المكان”.
وتزداد صعوبة الأوضاع مع وجود الميليشيات العميلة للاحتلال في ما تبقى من مجمع المدارس الحكومية في الشجاعية. ويقول أبو سكران: “ينفذون عمليات تمشيط ويطلقون بدورهم الرصاص العشوائي الذي يصل إلى خيام النازحين. عمومًا، هناك العديد من الشهداء والجرحى والمفقودين في الشجاعية منذ الهدنة، بفعل الاحتلال وتلك الميليشيات”.