وسط خيام مهترئة لا تقي من برد الشتاء ولا تستطيع الصمود أمام الرياح العاتية في وجود منخفضات جوية متتابعة، يعيش عشرات الآلاف من النازحين من مدينة رفح ظروفاً قاسية في منطقة المواصي غربي المدينة، وسط غياب واضح لدور المؤسسات في تقديم الخدمات والرعاية لهم.
وأكمل نازحو رفح أكثر من عام ونصف العام في تلك الخيام، دون أي أفق واضح لعودتهم إلى مدينتهم المنكوبة التي دمرها جيش الاحتلال طوال مدة حرب الإبادة على غزة، وبات أقصى ما يتمنونه بعض الخدمات لعلها تخفف قليلاً من واقعهم الأليم.
ونظّم ائتلاف نازحي رفح، أمس، وقفة احتجاجية أمام مقر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في منطقة "فش فرش"، بمشاركة مئات المواطنين، في محاولة منهم لإيصال صوتهم وأنين أطفالهم إلى العالم.
وأراد المشاركون في الفعالية وضع مأساتهم أمام مسؤوليات الوكالة والمجتمع الدولي، مطالبين بتفعيل دور الأونروا الإنساني، وتوفير الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة للنازحين الذين أنهكهم البرد والنزوح.
وجاءت هذه الوقفة بالتزامن مع تدهور غير مسبوق للأوضاع المعيشية للنازحين، خاصة مع اشتداد موجات البرد والأمطار، واعتماد آلاف العائلات على خيام مهترئة لم تعد صالحة للاستخدام الآدمي، ولا توفر الحد الأدنى من الحماية من العوامل الجوية.
ورفع المحتجون لافتات تعبّر عن حجم المعاناة اليومية، مطالبين بإنهاء حالة التجاهل التي تطال أوضاعهم، وبضرورة نقل معاناتهم إلى العالم، وشددوا على أن ما يمر به نازحو رفح لا يندرج فقط في إطار أزمة إنسانية طارئة، بل يمثل كارثة ممتدة نتيجة التهجير، وتدمير المنازل والبنية التحتية، وغياب الحلول الجذرية للإيواء.
تفعيل دور الأونروا
وقال المتحدث باسم ائتلاف نازحي رفح، المهندس أحمد السلطان لـ"فلسطين" إن الوقفة تأتي في سياق الضغط الشعبي السلمي من أجل إعادة تفعيل دور الأونروا، وتعزيز تدخلاتها الميدانية بما يتناسب مع حجم الكارثة.
وأوضح أن آلاف النازحين يعيشون في ظروف قاسية، استنزفهم فيها الجوع والفقر والبرد، دون وجود استجابة كافية من الجهات الدولية المعنية.
وأضاف السلطان: "المرحلة الحالية لم تعد تحتمل الاكتفاء بالمساعدات الإغاثية المحدودة، ولا بد من الانتقال إلى حلول أكثر استدامة، وفي مقدمتها إيواء يليق بهم وبتضحياتهم".
وشدد على أن أكثر من 250 ألف نازح خرجوا من مدينة رفح بعدما ادّعى الاحتلال أنه يريد القيام بعملية محدودة، موضحاً أن غالبيتهم لم يجلبوا معهم الحد الأدنى من الاحتياجات كالملابس والأغطية التي يمكن أن تعينهم على مرارة النزوح.
وتابع: "هناك أعداد كبيرة من المرضى، وأصحاب الاحتياجات الخاصة، وأطفال ونساء وشيوخ، وهناك إحصائيات واضحة بأعدادهم، وباحتياجاتهم للتعليم، والسكن، والدواء، وتهيئة الظروف الحياتية المناسبة، حتى يتمكنوا من تجاوز هذه المحنة القاسية".
مطالب عاجلة
بدوره، قال المواطن نبيل ابو عرمانة، أحد سكان مدينة رفح، إن نازحي المدينة يعيشون أوضاعاً إنسانية بالغة الصعوبة منذ تهجيرهم القسري.
وأكد لـ"فلسطين" أن الأولوية في هذه المرحلة يجب أن تكون إعادة الأطفال إلى مقاعد الدراسة، معتبراً أن التعليم هو الأساس في حياة الشعوب، وأن ضياعه يشكّل تهديداً لمستقبل القضية برمّتها.
وأضاف أبو عرمانة: "من بين المطالب الملحّة أيضاً إعادة ترتيب أولويات وكالة الأونروا في تقديم المساعدات"، مشيراً إلى أن كثيراً من العائلات لا يصلها أي نوع من الدعم، ما يزيد من حالة الضياع التي يعيشها النازحون في ظل غياب التواصل وآليات الاستجابة الفاعلة.
وأوضح أن آلاف النازحين يعيشون اليوم في مساكن مؤقتة لا تليق بالكرامة الإنسانية، مكوّنة من الخشب والنايلون، وهذه الظروف لا يمكن اعتبارها حياة طبيعية، داعياً الجهات المعنية إلى أخذ أوضاع النازحين بعين الاعتبار، وتمكينهم من العيش بحد أدنى من الكرامة، بدل تركهم في حالة تشرد مستمرة.
وطالب أبو عرمانة بتوفير التعليم والسكن اللائق، إضافة إلى تمكين النازحين من العودة إلى مدينة رفح، التي وصفها بأنها تمثل أساس الحياة بالنسبة لأهلها، رافضاً استمرار بقاء النازحين في مناطق المواصي وعلى شاطئ البحر في ظروف وصفها بالقاسية والمنهكة.
كما تطرق إلى الأضرار التي لحقت بمخيمات النزوح نتيجة الأحوال الجوية، موضحاً أن الأمطار والرياح تسببت في تلف الأغطية والمقتنيات، وتسرب المياه إلى داخل الخيام طوال الليل.
وختم أبو عرمانة حديثه بمناشدة المجتمع الدولي والدول العربية والمؤسسات الإنسانية العمل على رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني، مؤكداً أن النازحين يعانون ظلماً كبيراً في مجالات الصحة والتعليم والسكن، وهي احتياجات أساسية لا يجوز تجاهلها.