ظنّت أسرة تامر أبو عمرة أن سريان الهدنة في قطاع غزة قد يمنحها فرصة لجلسة عائلية هادئة خارج خيمتهم القماشية، لينعموا بقليل من دفء أشعة الشمس بعد أن نخر البرد أجسادهم، لكن رصاص الاحتلال الإسرائيلي، الذي قطع هدوء جلستهم، غيّر مسار حياتهم بشكل لم يتوقعوه.
فمنذ نزوح أسرة أبو عمرة من مدينة رفح، اختاروا العيش فيما سماها الاحتلال "المنطقة الإنسانية الآمنة"، لعلّهم ينعمون بشيء من الأمان في ظل حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، إلا أن الواقع جاء عكس ذلك؛ إذ لم تتوقف الاستهدافات الإسرائيلية في المنطقة، ولا سيما من بحرية الاحتلال التي تمطر خيام النازحين بالرصاص بين الحين والآخر.
وبعد دخول التهدئة حيّز التنفيذ في العاشر من أكتوبر الماضي، ظنّ النازحون في المنطقة أن الأمان قد توفر أخيرًا، غير أن ما حدث على أرض الواقع كان مغايرًا تمامًا، حيث استمر إطلاق نار بحرية الاحتلال باتجاه خيام النازحين بشكل شبه يومي، كما يوضح تامر أبو عمرة لصحيفة "فلسطين".
وفي الثالث عشر من ديسمبر، وبينما كان تامر يجلس مع أبنائه خارج الخيمة بحثًا عن بعض الدفء، تعرّضت المنطقة لإطلاق نار مكثف من بحرية الاحتلال. يقول: "لم نستطع التحرك بسبب شدة النيران، فانبطحنا أرضًا، وفجأة سمعت صراخ ابنتي الصغيرة جنان (أربعة أعوام ونصف)، زحفت باتجاهها فوجدت الدم يملأ ظهرها".
ويضيف: "نقلتها فورًا إلى مقر إسعاف قريب منا، والذي بدوره نقلها إلى مستشفى الصليب الأحمر، حيث تبيّن أن رصاصة اخترقت جسدها من أسفل الإبط الأيسر وخرجت من أسفل الإبط الأيمن، مع تجمع دموي على الرئتين والقلب، فتم تحويلها إلى مستشفى ناصر".
وفي مستشفى ناصر، وبعد إجراء الفحوصات اللازمة، تبيّن وجود نزيف على القلب والرئتين، وكسر في الفقرة السابعة من العمود الفقري، وخدش في الحبل الشوكي، حيث أُدخلت العناية المركزة لمدة أربعة أيام، قبل نقلها إلى قسم الجراحة. إلا أن الأطباء أحجموا عن إجراء أي تدخل جراحي لصعوبة وضعها الصحي، كما يوضح والدها.
وأشار إلى أن الأطباء بيّنوا أن الإمكانيات الطبية في غزة لا تسمح بإجراء عمليات جراحية معقدة كالتي تحتاجها جنان، في ظل وجود عظم مفتت كالرمل فوق الغشاء المغلف للحبل الشوكي، مؤكدين أن "أي خطأ جراحي قد يؤدي إلى شلل دائم وتدمير مستقبل ابنتي".
وبسبب عجز الطواقم الطبية عن التعامل مع حالتها، أُقرت لها تحويلة للعلاج في الخارج، ما يعني انتظارها ضمن قوائم تضم عشرات آلاف المرضى المحتاجين للسفر، يقول أبو عمرة: "حالة ابنتي لا تحتمل الانتظار، فكل يوم تأخير يقلل فرص الشفاء".
ويشتكي أبو عمرة من قرار الأطباء إخراج جنان من المستشفى، متسائلًا: "إلى أين أذهب بها؟ إلى خيمة لا تناسب حتى الأصحاء؟"، لافتًا إلى أن بقاءها في المستشفى يرهقه ماديًا في ظل عدم وجود عمل، واضطراره للتنقل يوميًا للاطمئنان عليها، مع الارتفاع الكبير في تكاليف المواصلات والطعام، خاصة أن والدتها وجدتها ترافقانها.
ويمضي بالقول: "هذا إلى جانب اضطراري للقيام بأعمال المنزل في ظل غياب والدتها، فلدي ثلاثة أبناء آخرين، أكبرهم يبلغ اثني عشر عامًا وأصغرهم ست سنوات، فضلًا عن خوفي عليهم، إذ أتركهم في الخيمة منذ الصباح الباكر وحتى المغرب".
ويزداد ألم أبو عمرة وهو يشاهد التدهور النفسي لابنته يومًا بعد يوم، حيث ترفض رؤية أحد، قائلًا: "كنا نلقبها بـ(الجن) لكثرة حركتها وشقاوتها، أما اليوم فهي تعاني حالة نفسية سيئة تؤلمنا كأسرة"، مناشدًا المؤسسات الصحية الدولية الإسراع في إجلاء ابنته للعلاج في الخارج، قبل فوات الأوان.