قائمة الموقع

الصفقة بين استحقاق التعافي ومناورات توسيع الحرب

2025-12-28T15:25:00+02:00
صورة من الأرشيف
فلسطين أون لاين

تشهد الحرب على غزة حالة تجميدٍ مؤقت لا ترقى إلى وقف شامل ودائم لإطلاق النار، في ظل إدارة إسرائيلية للصفقة بوصفها أداة سياسية وأمنية، لا مدخلًا حقيقيًا لإنهاء العدوان. هذا النمط من “التهدئة المُدارة” يعكس سلوكًا إسرائيليًا تقليديًا يقوم على التحكم بإيقاع الصراع، وتوظيف الزمن لإعادة ترتيب شروط القوة، بدل حسم المسار نحو وقفٍ نهائي للحرب ورفع تبعاتها.

هذا الواقع يضع المرحلة الثانية من الاتفاق في قلب الصراع، ليس باعتبارها خطوة إجرائية، بل بوصفها ساحة اختبار لإرادات متعارضة محليًا وإقليميًا ودوليًا. فالمسألة لم تعد مرتبطة ببنودٍ تُنفّذ وفق جدول زمني، بل بقدرة الأطراف على فرض تفسيرها للاتفاق وتحديد معناه السياسي: هل هو إنهاء للحرب أم إعادة إنتاج لها بأدوات جديدة؟

فلسطينيًا، يُنظر إلى المرحلة الثانية باعتبارها استحقاقًا إنسانيًا وسياسيًا ملحًّا يهدف إلى وقف العدوان نهائيًا، وفتح مسار التعافي من حرب إبادة خلّفت دمارًا شاملًا في البنية المجتمعية والعمرانية، وأرهقت المجتمع الفلسطيني إلى حدود قصوى.

ومن هذا المنطلق، لا تُعد المرحلة الثانية ورقة تفاوض أو مقايضة، بل حقًا أصيلًا نابعًا من نص الاتفاق نفسه، ومن كلفة إنسانية باهظة دفعها الفلسطينيون، ما يجعل أي التفاف عليها استمرارًا للحرب بصورة غير مباشرة.

في المقابل، يتعامل الاحتلال مع المرحلة الثانية بمنطقٍ مغاير؛ إذ يسعى نتنياهو إلى إعادة تعريفها وفق شروطه الخاصة بما يسمح له بإدارة نتائج الحرب بدل إنهائها. ويرتبط هذا التوجه مباشرة بأزمته الداخلية وبمحاولاته للهروب إلى الأمام عبر إبقاء أدوات الضغط قائمة على غزة: حصارٌ يتحول إلى سياسة، ومعابر تتحول إلى مفاتيح ابتزاز، وتدرّج في التنفيذ يفتح مساحة لتعطيل الاستحقاقات حين تتعارض مع حسابات الحكومة اليمينية.

أما الولايات المتحدة فتتعامل مع غزة ضمن مقاربة إدارية–اقتصادية–أمنية، منزوعة عن أي مضمون وطني فلسطيني.

تركّز هذه المقاربة على ما تسميه “الهدوء المرحلي” ومنع الانفجار، لا على معالجة جذور الصراع أو إنهاء الاحتلال، بما يفتح الباب أمام مشاريع لإدارة القطاع تتجاهل مسألة السيادة والحقوق، وتحول غزة إلى ملف أمني واقتصادي قابل للإدارة، لا قضية شعبٍ تحت الاحتلال.

الوسطاء، ورغم تمسكهم النظري بنصوص الاتفاق، يفتقرون عمليًا إلى أدوات الإلزام والضمان، ويقتصر دورهم على إدارة الوقت وتخفيف التوتر، دون قدرة حقيقية على فرض تنفيذ المرحلة الثانية أو منع الالتفاف عليها. وهذا ما يجعل الاتفاق هشًا وقابلًا للتآكل تحت ضغط الابتزاز الإسرائيلي المستمر.

وفي هذا السياق، يبرز سيناريو توسيع دائرة الحرب باتجاه لبنان أو إيران كأحد خيارات الهروب الإسرائيلية من استحقاقات المرحلة الثانية.

فالتصعيد المحتمل مع حزب الله، أو رفع منسوب التهديد والمواجهة مع إيران، يُستخدمان ورقة ضغط تعيد خلط الأوراق الإقليمية وتؤجل أي التزامٍ حقيقي بإنهاء الحرب على غزة، حتى لو كان الثمن انفجارًا إقليميًا واسعًا، بما يمنح نتنياهو “هواءً سياسيًا” إضافيًا لتجاوز أزماته الداخلية.

خلاصة المشهد أن المرحلة الثانية تحولت من مسار تهدئة إلى ساحة صراع سياسي مفتوح. ففي الوقت الذي يسعى فيه الفلسطينيون إلى التعافي وبناء الحد الأدنى من الاستقرار والحياة، يتعامل الاحتلال مع الحرب كمشروع دائم لإدارة أزماته الداخلية والإقليمية. وعليه، فإن المعركة اليوم ليست فقط على تنفيذ مرحلة من اتفاق، بل على تعريف نهاية الحرب نفسها: هل تكون نهاية تفتح أفقًا للمستقبل، أم محطة جديدة في مسار العدوان وصراع طويل الأمد؟

اخبار ذات صلة