فلسطين أون لاين

تقرير شاطئ غزة.. خيامٌ تقاوم البرد والموت

...
عشرات العائلات نصبت خيامها على شاطئ بحر غزة لعدم توفر أماكن بديلة
غزة/ أدهم الشريف:

عند أطراف شاطئ مدينة غزة غربًا، حيث يُفترض أن يكون البحر متنفسًا للحياة، تحوّلت الرمال الباردة إلى ملاذٍ قاسٍ لعائلات ذاقت مرارة حرب الإبادة الإسرائيلية، وضاقت بها سبل الإيواء.

هناك، بين هدير الأمواج وصفير الرياح، تنتصب خيامٌ مهترئة بالكاد تقاوم عاصفة شتوية جديدة داهمت النازحين، وهم يحاولون بأجسادهم المنهكة الصمود فوق أرضٍ أغرقتها مياه الأمطار.

في خيمةٍ من القماش المشدود بأوتاد وأعمدة مغروسة في الرمل، تعيش عائلة علياء شاهين (62 عامًا) مع اثنين من أبنائها وحفيدتها اليتيمة براء (10 أعوام). تجلس المسنّة قرفصاء على فراشٍ مبتل، تلف جسدها النحيل ببطانيةٍ رطبة، فيما ترتجف يداها من شدّة البرد.

تقول بصوتٍ متعب لصحيفة “فلسطين”: “الأمطار أغرقت كل شيء؛ البطانيات، الملابس… نموت من البرد ألف مرة في اليوم”.

لم تتخيل هذه المسنّة أن ينتهي بها المطاف على شاطئ البحر، بعد أن دمّر جيش الاحتلال منزل عائلتها في بلدة بيت لاهيا شمالي قطاع غزة، واضطرت للنزوح مراتٍ عدة، قبل أن تقف عاجزة أمام امتلاء مراكز الإيواء وخيام النزوح في المدارس والساحات العامة.

ولم تجد علياء وابناها وحفيدتها مكانًا سوى الشريط الرملي المكشوف، في مواجهة زخات الأمطار وأمواج البحر التي تبدو كأنيابٍ تنقض عليهم مع اشتداد الرياح.

وتضيف: “الرياح هنا لا تهدأ، ومياه الأمطار تقتحم خيمتنا وتغرق فراشنا… أصبحنا لا نعرف معنى الدفء”.

ومع كل هبّة رياحٍ شديدة، يسرع نجلها محمود (32 عامًا) للإمساك بأوتاد الخيمة خشية اقتلاعها من الأرض، ويمضي وقتًا طويلًا في محاولة تثبيت شادرٍ بلاستيكي لمنع تسرب مياه الأمطار إلى الخيمة القماشية.

وتتابع: “الخيام لم تُسعفنا؛ فالأمطار تقتحم مكان مبيتنا. الحلّ الأفضل هو توفير كرفانات وبيوت متنقلة قادرة على حماية الأطفال من البرد والأمراض”.

إلى جوار خيمتهم، تقيم عائلة أخرى لا تقل معاناتها قسوة. مازن بكر (60 عامًا) يعيش مع أفراد عائلته تحت سقفٍ لا يشبه الخيمة؛ مجرد شادرٍ من النايلون السميك مثبت كسقف، تحيط به ألواح من البلاستيك المهشّم وقطع قماشٍ أغرقتها الأمطار.

يقول بكر لـ“فلسطين”، وهو يشير إلى الأرض: “ننام ونستيقظ على الماء… لا شيء يجف هنا”.

وكان الرجل قد فقد أجزاءً كبيرة من منزله في مخيم الشاطئ خلال حرب الإبادة، فيما باتت الأجزاء المتبقية غير صالحة للسكن.

وبينما يبدي بكر مخاوف كبيرة من تأهيل ما تبقى من منزله والعودة إليه، فضّل اللجوء إلى رمال شاطئ البحر، رغم لسعات البرد والأمطار الغزيرة، خشية انهيار ما تبقى من المنزل فوق رؤوس أفراد عائلته.

ويضيف: “نقضي يومنا ونحن نحاول إغلاق الفتحات، فيما يبكي الأطفال من البرد، وتبتل ملابسهم القليلة، ولا نجد وسيلة لتجفيفها”.

وتابع: “نحن لا نعاني فقط من قسوة الشتاء، بل نفتقد أيضًا إلى الطعام والدعم الإنساني، ولا نملك خيمة تحمينا من الأمطار”.

وتمتد خيام النازحين على طول ساحل غزة، ومن لم يجد متسعًا له، لجأ إلى رمال الشاطئ، حيث تصل أمواج البحر إلى خيامهم، وتقتلع الرياح الشديدة أوتادها، فتطير أحيانًا إلى أماكن بعيدة.

ومع كل منخفضٍ جوي، تتحول هذه الخيام إلى مصائد للمطر، وتصبح الرمال طينًا باردًا يلتصق بالأجساد. يتمزق القماش، وتصفع الرياح الباردة وجوه الأطفال، فتنهكهم الأمراض، ويشتد رعب الليل مع كل هطولٍ جديد للأمطار.

على رمال شاطئ بحر غزة، تختصر عائلتا شاهين وبكر حكاية آلاف النازحين الذين دفعتهم الحرب إلى أماكن يستحيل العيش فيها؛ أماكن لا تحمي من برد الشتاء، ولا من قسوة الواقع، حين يصبح شاطئ البحر شاهدًا على مأساة إنسانية مفتوحة، تنتظر استجابة عاجلة تنقذ من تبقّى تحت الخيام، قبل أن تبتلعهم العواصف القادمة.

 

المصدر / فلسطين أون لاين