خسر القطاع الخاص في غزة جزءًا كبيرًا من بنيته الإنتاجية خلال الحرب الأخيرة، إذ دمّرت الترسانة العسكرية مصانع وشركات أساسية، ما أدى إلى فقدان آلاف فرص العمل وتراجع الإنتاج الوطني بشكل كبير.
وفقد رجل الأعمال نصر أبو عودة معصرته الكبرى الواقعة قرب وادي غزة، التي تُقدَّر تكلفتها بنحو 10 ملايين دولار، إضافة إلى خمس معاصر أخرى يمتلكها في مناطق مختلفة من القطاع، ما شكّل خسارة فادحة لمستثمر أسهم على مدار سنوات طويلة في تطوير قطاع الزيتون.
وأوضح أبو عودة لـ "فلسطين أون لاين" أن أكبر معصرة لديه كانت مزوّدة بسبعة خطوط إنتاج بطاقة إنتاجية تصل إلى 20 طنًا في الساعة، ومجهّزة بأحدث التقنيات في عصر الزيتون، بما في ذلك أجهزة قياس نضج الثمرة وجودة الزيت، التي تقدّم توصيات مباشرة للمزارعين، الأمر الذي مكّنه من إنتاج زيت زيتون عالي الجودة بمواصفات عالمية.
وأضاف أن هذه المعاصر كانت تمثّل حلمًا استثماريًا وطموحًا تصديريًا، إذ كان مخططًا لها أن تسهم في تصدير منتجات الزيت إلى الدول العربية والأوروبية، ورفع مستوى الإنتاج الوطني إلى معايير عالمية، بما يدعم الاقتصاد الفلسطيني ويوفّر فرص عمل جديدة.
لكنه أشار إلى أن الحرب أوقفت جميع هذه الخطط، ودمّرت المصانع والمعدات، وأعادت حياته العملية إلى نقطة الصفر، مؤكدًا أن الخسائر لم تكن مادية فقط، بل معنوية أيضًا، إذ فقد جزءًا من مستقبله المهني وطموحه الذي بناه على مدار أكثر من 40 عامًا.
وأشار أبو عودة إلى أن التعويض السريع ودعم المستثمرين يُعدّان عنصرين أساسيين لإعادة بناء المشروعات المتضررة، مؤكدًا سعيه للعودة مجددًا إلى قطاع الإنتاج، واستعادة ما فقده من معدات وخبرات، لمواصلة دوره في تطوير صناعة الزيتون ورفع مستوى صادراتها، رغم التحديات الكبيرة التي تواجه القطاع الخاص في غزة.
بدوره، أوضح رجل الصناعة علي الحايك أن عملية التعافي تتطلب خططًا متكاملة تشمل إعادة تأهيل البنية التحتية الأساسية، مثل الكهرباء والمياه، إضافة إلى المنشآت الاقتصادية المتضررة، لضمان استعادة النشاط الاقتصادي بشكل مستدام.
وأشار الحايك لـ"فلسطين أون لاين" إلى أن التعافي الاقتصادي لا يقتصر على إعادة تشغيل المصانع فحسب، بل يشمل أيضًا خلق بيئة أعمال مستدامة تشجّع على الاستثمار، وتسهيل إجراءات الاستيراد والتصدير، وتقديم الدعم المالي والفني للمستثمرين، بما يضمن إعادة النشاط الاقتصادي بسرعة وكفاءة، وتحقيق استقرار طويل الأمد للقطاع الخاص في غزة. كما شدّد على أهمية تمكين المشاريع الصغيرة والمتوسطة باعتبارها العمود الفقري للاقتصاد المحلي، إلى جانب رفع كفاءة العمالة الوطنية وتدريبها على أحدث التقنيات والممارسات الصناعية، بما يسهم في تعزيز القدرة الإنتاجية وتحسين جودة المنتجات الوطنية.
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي محمد سكيك أن الخسائر التي تكبّدها القطاع الخاص خلال الحرب لا تقتصر على الجانب المادي فحسب، بل تشمل أيضًا خسارة الوقت والخبرات والتقنيات الحديثة، وهي خسائر يصعب تعويضها في وقت قصير.
وأضاف سكيك لـ"فلسطين أون لاين" أن إعادة تشغيل المصانع تتطلب دعمًا ماليًا عاجلًا، وتوفير سيولة تشغيلية للمستثمرين، إلى جانب تأمين المواد الخام والآلات، ووضع إجراءات تنظيمية واضحة لتسهيل الاستيراد والتصدير، بما يحول دون تكرار الصدمات الاقتصادية في المستقبل.
وأوصى سكيك بتفعيل نماذج تمويل متنوعة تشمل صناديق الاستثمار الدولية والإقليمية، والمنح والمساعدات الطارئة، إضافة إلى القروض الميسّرة أو من دون فوائد، والإعفاءات الضريبية والجمركية، إلى جانب توفير التمويل الانتقالي والطويل الأجل، لضمان استدامة الأنشطة الاقتصادية وتحقيق تعافٍ مستدام للقطاع الخاص في غزة.