قائمة الموقع

عمليات طبية مؤجلة في غزة.. حكم إسرائيلي بالموت البطيء

2025-12-25T07:26:00+02:00
عمليات المرضى مؤجلة إلى حين جراء عدم سماح الاحتلال بإدخال المستلزمات الطبية اللازمة
فلسطين أون لاين

في غرفة ضيقة داخل مستشفى المعمداني وسط مدينة غزة، يجلس معتز كلوب (39 عاماً) متكئا على سرير معدني بارد، يضغط بيده على خاصرته كلما اشتد الألم. منذ أسابيع وهو ينتظر مكالمة واحدة تخبره أن موعد عملية إزالة حصى الكلى قد حدد أخيرا، لكن الهاتف بقي صامتا، مثل أبواب غرف العمليات المغلقة.

يقول معتز بصوت منخفض وأنفاس متقطعة لـ "فلسطين أون لاين": "الألم لا يتوقف. أحيانا أشعر أن الكلى ستنفجر. الطبيب قال إن العملية بسيطة، لكنها تحتاج أدوات وتخدير غير متوفرين".

ويعاني مرضى قطاع غزة من معاناة مضاعفة بفعل تأجيل قسري للعمليات الجراحية لما سببته حرب الإبادة من ضرر في المنظومة الصحية ونقص الأدوية والمستلزمات الطبية، حيث يتحول الانتظار القسري إلى خطر حقيقي يهدد حياتهم.

كثير من الحالات المصنفة طبيا على أنها ضرورية أو شبه عاجلة تبقى، بفعل تبعات حرب الإبادة والحصار، معلقة لأسابيع وربما أشهر، فيما يواجه المرضى آلاما مستمرة وتدهورا صحيا متسارعا، مع الاكتفاء بالمسكنات المؤقتة كحل هش لا يعالج أصل المشكلة.

هذا النقص لا يقتصر على العمليات المجدولة، بل يمتد ليهدد الطوارئ والعناية المركزة، في ظل عجز المستشفيات عن توفير التخدير والأدوات الجراحية الأساسية، ما يجعل المرض في غزة حكما مؤجلا بالموت البطيء.

ألم مفاجئ

بدأت معاناة كلوب قبل أكثر من شهر، حين اشتدت آلام الكلى بشكل مفاجئ. نُقل إلى المستشفى، وأظهرت الفحوصات وجود حصى تحتاج إلى تدخل جراحي عاجل. في الأيام الأولى، كان يظن أن الانتظار مسألة وقت قصير، لكن الأيام تحولت إلى أسابيع، والألم صار رفيقا دائما.

في كل صباح، يتوجه كلوب أو أحد أفراد عائلته إلى قسم الاستقبال، يسأل السؤال ذاته، ويتلقى الجواب ذاته: "العملية مؤجلة بسبب نقص المستلزمات".

يضيف وهو ينظر إلى أرض الغرفة: "لم أعد أخاف من العملية، أخاف من أن أموت وأنا أنتظرها. نحن لا نطلب شيئا معقدا، فقط علاج يوقف هذا العذاب".

لم يعد كلوب قادرا على العمل. فقد مصدر رزقه البسيط، وأصبح عبئا ثقيلا على عائلته التي تحاول توفير المسكن والطعام في ظل أوضاع معيشية قاسية. تقول والدته، وهي تجلس قربه تمسح جبينه: "أراه يتلوى من الألم ولا أستطيع أن أفعل شيئا. كل ما أريده أن يدخل إلى غرفة العمليات ويخرج بسلام".

في بعض الليالي، يتضاعف الألم لدرجة لا يحتملها، فينقل إلى الطوارئ، حيث يُعطى مسكنات مؤقتة لا تفعل سوى تأجيل الوجع. يصف تلك اللحظات قائلا: "المسكن يهدئ الألم لساعات، ثم يعود أقوى. كأن جسدي يصرخ ولا أحد يسمعه".

وبينما يواصل الاحتلال تقييد دخول المستلزمات الطبية، تتحول غرف الانتظار إلى مساحات للعذاب الصامت، حيث يصبح الزمن عدوا إضافيا للمرضى.

عملية مؤجلة

في منزله المدمر جزئيا بفعل حرب الإبادة في حي النصر غرب مدينة غزة، يستلقي الطفل خالد محيسن (9 أعوام) على سرير صغير قرب نافذة مكسورة، يراقب ضوء النهار وهو يضعف قبل أن يكتمل. صدره يرتفع وينخفض بصعوبة، وأنفاسه قصيرة ومتسارعة، كأن قلبه الصغير يبذل جهدا أكبر من عمره بكثير. محيسن بحاجة إلى عملية جراحية عاجلة بسبب قصور في أداء القلب، لكن العملية مؤجلة منذ أسابيع، لا لسبب طبي، بل لأن المستشفى لا يملك الإمكانيات اللازمة لإجرائها.

تقول والدته وهي تضع يدها على صدره محاولة تهدئته لـ "فلسطين أون لاين": "أعد أنفاسه واحدة واحدة. أخاف أن يغفو ولا يستيقظ. الأطباء قالوا إن العملية تنقذه، لكن لا أدوات ولا تجهيزات".

بدأت معاناة محيسن منذ أشهر، حين لاحظت عائلته أنه يتعب بسرعة، يتوقف عن اللعب، ويزرق لونه أحيانا عند أقل مجهود. بعد فحوصات طويلة، كان التشخيص واضحا: قصور في القلب يحتاج إلى تدخل جراحي. يومها، شعرت العائلة بالخوف، لكن أيضا بشيء من الطمأنينة. هناك علاج، وهناك أمل. غير أن هذا الأمل سرعان ما اصطدم بالواقع القاسي داخل مستشفيات غزة فضلا عن اغلاق الاحتلال معبر رفح الأمر الذي يحرمه من تلقي العلاج في الخارج.

تضيف والدته: "الطبيب شرح لنا كل شيء. قال إن العملية ليست معقدة جدا، لكنها تحتاج تجهيزات خاصة وتخدير غير متوفر. منذ ذلك اليوم ونحن ننتظر".

الانتظار بالنسبة للطفل محيسن ليس مجرد أيام تمر، بل خطر يتزايد مع كل ساعة. حالته تتدهور ببطء، ونوبات التعب أصبحت أكثر تكرارا. في بعض الليالي، يفيق باكيا، يضع يده على صدره ويقول لوالدته إنه يشعر بألم وضيق.

تتابع والدته: "أعطيه الدواء المتوفر، لكنهم قالوا لي هذا لا يكفي. الدواء يخفف، لا يعالج".

في زيارات متكررة للطوارئ، يتلقى محيسن الأكسجين وبعض الأدوية الداعمة، ثم يعود إلى البيت محملا بالخوف ذاته. لا غرفة عمليات تنتظره، ولا موعد محدد. فقط جملة تتكرر على مسامع والديه: العملية مؤجلة حتى إشعار آخر.

يقول والده وهو ينظر إلى ابنه: "كيف أشرح لطفل أن قلبه متعب لأن العالم قرر أن يمنع عنه العلاج؟ كيف أقنعه أن ينتظر بينما قلبه لا يحتمل الانتظار".

مستويات خطيرة

من ناحيته، قال مدير نظم المعلومات في وزارة الصحة بقطاع غزة هاني الوحيدي لـ "فلسطين أون لاين" إن الأزمة الصحية التي تعيشها مستشفيات القطاع بسبب نقص الأدوية والمستلزمات الطبية "وصلت إلى مستويات خطيرة تهدد حياة آلاف المرضى"، مؤكدا أن تأجيل العمليات الجراحية لم يعد استثناء بل أصبح واقعا يوميا.

وأوضح الوحيدي أن بيانات وزارة الصحة تشير إلى أن أكثر من 50% من قائمة الأدوية الأساسية نفدت بالكامل فيما تعاني نحو 70% من المستهلكات الطبية من عجز حاد، بما يشمل مستلزمات العمليات الجراحية والتخدير والعناية المركزة. وأضاف أن هذا النقص انعكس بشكل مباشر على الخدمات الصحية المقدمة، حيث تأثرت 38% من العمليات الجراحية فيما باتت آلاف العمليات المجدولة مهددة بالتوقف الكامل.

وأضاف الوحيدي: "نحن نتعامل مع أرقام صادمة. المستشفيات تستقبل شهريا قرابة 200 ألف مريض في أقسام الطوارئ، إضافة إلى 10 آلاف مريض بحاجة لعمليات جراحية، بينما لا يغطي ما يدخل إلى القطاع الصحي سوى 30% فقط من الاحتياجات الفعلية".

وأشار إلى أن الأزمة لا تقتصر على العمليات المجدولة، بل تمتد لتطال الحالات الطارئة، موضحا أن 700 مريض شهريا يتلقون العلاج في أقسام العناية المركزة يواجهون خطرا حقيقيا في حال استمرار نقص الأدوية والمستلزمات الحيوية.

وأضاف: "نضطر إلى اتخاذ قرارات قاسية بتحديد الأولويات، وهذا يعني أن بعض المرضى ينتظرون على حساب صحة حياتهم، وهو أمر لا يمكن قبوله إنسانيا أو طبيا".

وأكد الوحيدي أن استمرار منع إدخال الإمدادات الطبية يشكل خرقا واضحا للبروتوكول الإنساني، محذرا من أن أي تأخير إضافي سيقود إلى انهيار أكبر في المنظومة الصحية. وقال: "ما يجري هو استنزاف بطيء للنظام الصحي، والمرضى يدفعون الثمن بأجسادهم وأعمارهم، في وقت يمكن فيه إنقاذهم لو توفرت الإمكانيات اللازمة دون قيود".

اخبار ذات صلة