قائمة الموقع

زفاف يتحوّل إلى مأتم.. خرق جديد لوقف إطلاق النار في حي التفاح

2025-12-21T17:17:00+02:00
فلسطين أون لاين

في ممرات مشرحة مجمع الشفاء الطبي، تجمّع أفراد من عائلة "النِّدر" في صمتٍ ثقيل، يختلط فيه البكاء بالدعاء، لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة على أحبّتهم قبل مواراتهم في الثرى.

لم يكن هذا المشهد جزءًا من طقسٍ اعتيادي للفقد في غزة، بل نتيجة قصفٍ مدفعي إسرائيلي استهدف مركز إيواء في مدرسة شهداء غزة بحي التفاح شرق المدينة، في أثناء إقامة حفل زفاف، في خرقٍ جديد لاتفاق وقف إطلاق النار.

ومساء أول من أمس، تحوّل الفرح الذي انتظره نازحون أنهكتهم شهور الحرب إلى مأتم، وأسفر القصف عن استشهاد سبعة فلسطينيين وإصابة عشرة آخرين، بعضهم بحالة خطيرة، وفق مصادر طبية. وكانت المدرسة المستهدفة تؤوي عشرات العائلات التي لجأت إليها بحثًا عن الأمان، في منطقة مصنّفة إنسانيًا.

وقف محمد النِّدر، أحد أقارب الضحايا، مذهولًا أمام ما جرى، وقال بصوتٍ يختلط فيه الغضب بالحزن: "كنا نشارك الناس فرحتهم، نحاول أن نسرق لحظة أمل وسط هذا الدمار، وفجأة تحوّل كل شيء إلى حزن. لم نكن نحمل سوى قلوبنا، فلماذا قُصفنا؟".

وتساءل محمد، في حديثٍ لصحيفة "فلسطين"، عن صمت العالم، وعن معنى اتفاق وقف إطلاق النار إذا كان المدنيون يُستهدفون في أماكن الإيواء، مضيفًا أن من بين الشهداء طفلًا رضيعًا لم يتجاوز عمره أربعة أشهر، إلى جانب شبّان ونساء لم يكن لهم أي دور في القتال.

ساعات من الانتظار

وأكد شهود عيان لـ"فلسطين" أن القصف وقع قرابة الساعة الخامسة مساءً، أثناء تجمع عدد من النازحين للمشاركة في حفل الزفاف داخل المدرسة.

وأوضح محمد حمادة، أحد الحاضرين، أن المنطقة لم تشهد أي نشاط عسكري، وأن المدنيين كانوا في مكان يُفترض أنه آمن.

وأضاف حمادة أن قوات الاحتلال منعت طواقم الإسعاف والدفاع المدني من الوصول إلى المكان لساعات، ما أدى إلى تأخير إجلاء الشهداء والمصابين، قائلًا: "كنا نسمع أصوات الطائرات المسيّرة، وكل من حاول الاقتراب كان يُجبر على التراجع، والمصابون بقوا ينتظرون المساعدة وقتًا طويلًا".

بحث عن مفقودين

من جهتها، أفادت مصادر طبية بنقل جثامين الشهداء والمصابين إلى مستشفى المعمداني وسط مدينة غزة، مشيرة إلى أن بين الضحايا امرأة، إضافة إلى إصابات متفاوتة الخطورة. وأكدت المصادر أن منع الطواقم الطبية من الوصول السريع إلى الموقع فاقم من معاناة المصابين.

وقال مدير الإسعاف والطوارئ في غزة والشمال، فارس عفانة، إن ما جرى يُعد خرقًا واضحًا ومتكررًا لاتفاق وقف إطلاق النار، مؤكدًا أن المدرسة استُهدفت بشكل مباشر رغم كونها مركزًا لإيواء النازحين.

وأوضح عفانة، لـ"فلسطين"، أن الطواقم الطبية لم تتمكن من دخول المكان إلا بعد تنسيق عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر، مشيرًا إلى أن الفرق عملت لساعات في الموقع بحثًا عن مفقودين وتقديم الإسعافات اللازمة.

جريمة مركّبة

بدوره، ذكرت تقارير صحفية، أن القصف طال الطابق الثاني من المبنى التعليمي أثناء تجمع عدد كبير من المدنيين، ما أسفر عن ارتفاع عدد الضحايا.

وفي السياق ذاته، قال المتحدث باسم حركة حماس، حازم قاسم، إن ما حدث يُمثّل "جريمة مركّبة" بحق نازحين مدنيين داخل مركز إيواء، واعتبره انتهاكًا فاضحًا لاتفاق وقف إطلاق النار، داعيًا الوسطاء والدول الراعية للاتفاق إلى تحمّل مسؤولياتهم وإلزام الاحتلال بوقف هذه الانتهاكات.

وبحسب وزارة الصحة في قطاع غزة، فإن خروقات الاحتلال لاتفاق وقف إطلاق النار مستمرة منذ دخوله حيّز التنفيذ في أكتوبر الماضي.

وأفادت الوزارة، في بيان وصل صحيفة فلسطين نسخة عنه، بأن عدد الشهداء منذ ذلك الحين بلغ 401 شهيدًا، إضافة إلى أكثر من 1100 إصابة، فيما جرى انتشال مئات الجثامين من تحت الأنقاض.

كما أشارت الوزارة إلى أن حصيلة الحرب على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 ارتفعت إلى أكثر من 70 ألف شهيد، ونحو 171 ألف مصاب، في واحدة من أكثر الفترات دموية في تاريخ القطاع.

وفي غزة، حيث لا تزال المدارس والمستشفيات والمنازل أهدافًا غير آمنة، يبقى السؤال معلّقًا: كم من الأفراح يجب أن تتحوّل إلى مآتم قبل أن يتوقف هذا النزيف؟

اخبار ذات صلة