قائمة الموقع

استهداف القدس في 2025.. واقع استيطاني لا رجعة فيه

2025-12-21T16:22:00+02:00
صورة من الأرشيف
فلسطين أون لاين

قطعت حكومة الاحتلال خلال العام الجاري أشواطًا مهمة  نحو الوصول لمشروع ما يسمى "القدس الكبرى"، بحيث تكون القدس الشرقية بتجمعاتها الكبرى (عناتا والعيساوية والزعيم والعيزرية وأبو ديس) جيبًا في داخل الامتداد الاستيطاني الذي يحاصرها من كل الاتجاهات، إذ أقرت رسميًا (20/8/2025) الشروع في تنفيذ مشروع "E1" الاستيطاني بموافقة لجنة الاستيطان الحكومية، الذي بدأ الترويج له منذ ما يزيد على 35 عامًا ضمن توجه عام يقضي على آخر فرصة سياسية لإقامة دولة فلسطينية متصلة المعالم الجغرافية وينهي ربط القدس الشرقية ببقية مناطق الضفة الغربية، ويقطع آخر أماكن الاتصال الجغرافي الطبيعي بين شمال الضفة الغربية وجنوبها.

مشاريع الاستيطان التي استهدفت القدس في 2025

مشروع E1: يعدّ إي-1/ E1 (يرمز حرف الـ E لكلمة east"شرق") كتلة تخطيطية استيطانية تقع في المناطق المصنفة (ج) بين مستوطنة معاليه أدوميم وبسغات زئيف، وتمتد على نحو 12 كم² تحفّ بلدات (عناتا، العيساوية، الزعيم، العيزرية، أبو ديس)شرق القدس، ويهدف لربط مستوطنة معاليه أدوميم بالقدس وإخراج الأحياء الفلسطينية من مجال تطوّرها الطبيعي تجاه الشرق، وفي بُعدٍ أوسع، يُخدم المخطط رؤية «القدس الكبرى» بمساحة تقارب 600كم² (نحو 10% من الضفة)، عبر أحزمة طرق ومناطق صناعية وأحياء جديدة ستقطع في مجملها الاتصال الجغرافي الطبيعي بين شمال الضفة وجنوبها لتحيله إلى طرق فرعية والتفافية يمكن السيطرة عليها في غضون دقائق.

حي "عطروت" الاستيطاني: سبق ذلك توقيع وزير المالية سموتريتش في شهر أبريل/نيسان الماضي قرارا بتفعيل أوامر مصادرة قديمة استهدفت قلنديا في عامي 1970 و1982، في طل بدء لجنة التخطيط والبناء الترويج لحي عطروت الاستيطاني الجديد الذي سيضم 9 آلاف وحدة سكنية، على موقع مطار القدس الدولي، إذ سيقع الحي الجديد في قلب منطقة حضرية فلسطينية مكتظة بالسكان، تمتد بين رام الله وكفر عقب شمالاً، مرورا بمخيم قلنديا للاجئين والرام وبيت حنينا، وبئر نبالا.

المهددات الإستراتيجية التي يحملها الواقع الاستيطاني الجديد:

إفراغ الحدود الشرقية من الوجود الفلسطيني: سيشمل هذا الواقع عملية ضخمة لتهجير البدو شرق معاليه أدوميم وحتى البحر الميت، إذ تسعى سلطات الاحتلال لتهجير 46 تجمعاًبدوياً في السفوح الشرقية والاغوار (جرى تهجير جزء منها بعد السابع من أكتوبر 2023) وتبلغ مساحة تلك المناطق حوالي مليون دونم، ما يقطع آخر اتصال جغرافي بين شمال الضفة وجنوبها.

تهيئة الظروف لمخطط "القدس الكبرى": بهذه المشاريع سيستكمل الاحتلال ربط أكبر التكتلات الاستيطانية في الضفة الغربية عبر ضمها إلى نطاق مدينة القدس، حيث يشمل المشروع:

  •  بناء جدار الفصل والتوسع العنصري حول مدينة القدس وتوسيع حدودها لتشمل التكتلات الاستعمارية الاسرائيلية الثلاث حولها، وهي: (تكتل مستعمرات معاليه أدوميم شرقاً، وتكتل مستعمرات جفعات زئيف شمالاً، وتكتل مستعمرات جوش عتصيون جنوباً).
  •  ربط هذه المستعمرات بالقدس الشرقية ومنها بأراضي عام 1948 يهدف الى خلق تواصل جغرافي بين التكتلات الاستعمارية من جهة، وعزل وإخراج التجمعات الفلسطينية التابعة تاريخياً خارج حدود المدينة وحرمانها من حقها التاريخي في المدينة.
  •  يسعى رئيس بلدية مستعمرة "معاليه ادوميم" إلى بناء حي استعماري جديد يحمل اسم "مفسيرت ادوميم" يتضمن أكثر من 3 آلاف وحدة استعمارية بهدف ربط القدس الشرقية بمنطقة غور الأردن ومنها الى الحدود الشرقية، ويسعى الاحتلال لربط مستعمرة "كيدار" "بمعاليه أدوميم" والبناء في المنطقة الواقعة بين المستعمرتين.

المسّ بالتواصل الجغرافيّ بين الشمال والجنوب: يقع مخطط (E1) في الممر الاستراتيجي الفاصل بين القدس الشرقية ومستوطنة “معاليه أدوميم”. وبذلك، سيؤدي المشروع إلى دمج القدس الشرقية بـ “معاليه أدوميم”، وتحويلهما إلى كتلة عمرانية واحدة، ما يقطع التواصل الجغرافي الفلسطيني بين شمال الضفة الغربية (رام الله) وجنوبها (بيت لحم والخليل)، ويشل إمكانية تطوير محور حضري فلسطيني متصل يربط رام الله والقدس وبيت لحم، وهو المحور الذي يمثل العمود الفقري لأي دولة فلسطينية مستقبلية، ضمن تصميم إستراتيجي يهدف إلى تفتيت الضفة الغربية لجيوب معزولة ومقطعة الأوصال، تخضع جميعها لسيطرة الاحتلال الأمنية المطلقة.

الأثر على مسار التسوية: الواقع الاستيطاني الجديد يحمل في طياته أثراًحاسماً على مستقبل "حل الدولتين"، فالمخطط يعيد تشكيل الجغرافيا الفلسطينية في الضفة الغربية بطريقة تقطع أوصالها، محولاً إياها إلى كانتونات منفصلة ومعزولة أشبه بجزر سكانية لا رابط بينها، ما يقوض وحدة الإقليم الفلسطيني، ويجعل أي كيان ناشئ مجرد تجمعات متناثرة تحت السيطرة الأمنية للاحتلال، كما ينسف المشروع إمكانية قيام عاصمة فلسطينية في القدس الشرقية من خلال تطويقها بالمستوطنات وعزلها عن امتدادها الطبيعي في الضفة.

الواقع الاستيطاني ونسق التصعيد الحاكم لعمل الاحتلال في الضفة

يرسخ مشروع (E1) واقعاً استيطانياً لا رجعة فيه، ويدفع الصراع بعيداً عن أي حلول تفاوضية نحو تكريس نظام فصل عنصري بحكم الأمر الواقع*، ولا يأتي بمعزل عن التسارع الكبير في عمليات الاستيطان خلال العام الجاري، إذ أعلن الاحتلال في (29 مايو) 22 مستوطنة جديدة في الضفة، وبعد شهرين، صوّت الكنيست لصالح نص يدعو الحكومة إلى ضم الضفة الغربية وإسقاط أي مشروع لإقامة دولة فلسطينية، ويطالب وزير المالية سموتريتش بمحو الدولة الفلسطينية "بالأفعال وليس بالشعارات"، داعياً رئيس حكومته نتنياهو إلى فرض السيادة "الإسرائيلية" الكاملة على الضفة إلا أن إدارة ترامب فرملت هذا التوجه وأوقفت إعلانه سياسيًا دون أي توجهات تقيّد سلوكه على الأرض.

كما عمّق الاحتلال سياسة التحرك الميداني الإستراتيجي وطويل الأمد في الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر، حيث غيّر الواقع الجغرافي بشكل جوهري في مخيمات شمال الضفة الغربية عبر إدامة وجوده العسكري في قلبها وتنفيذه لمخططات هندسية تنسف البيئة الخاصة بالمخيمات وتسعى لتحويلها لأحياء تابعة للمدن، مع إنهاء وتصفية عمل وكالة الأونروا.

وكذلك أقام حواجز وبوابات حديدية عند مداخل القرى والمدن الفلسطينية، مما تسبب في شل حركة المواطنين وتعطيل حياتهم اليومية، ووصل عدد الحواجز والبوابات الحديدية التي نصبها جيش الاحتلال في الضفة الغربية إلى قرابة 900 حاجز عسكري وبوابة، منها 18 بوابة حديدية منذ بداية العام الجاري 2025، و146 بوابة حديدية نصبها الاحتلال بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفق هيئة مقاومة الجدار والاستيطان.

في حين واصلت قيادة الاحتلال مسار الخنق الاقتصادي العام في الضفة الغربية، عبر اقتطاع أموال الضرائب، واستمرار منع دخول العمال الفلسطينيين للعمل في الداخل المحتل، في خروج عن محدد سابق عملت عليه أجيال في المنظومة الأمنية الصهيونية تقتضي تسكين الضفة بالرخاء الاقتصادي، لتجنب اشتعالها في وجه الاحتلال.

وفي تقييم الواقع الجديد يرى الكاتب في صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية مايكل ميلستين: أنه يتشكل واقع جديد في الضفة الغربية، بناءً على افتراضين أساسيين لدى حكومة نتنياهو. الأول هو أن واشنطن ستبقى إلى الأبد إلى جانب "إسرائيل"، وستدعمها حتى لو اتُخذت خطوات ضم هناك وفي غزة، والافتراض الأساسي الثاني هو أنه لا ينبغي أخذ الرأي العام العالمي في الاعتبار، وهي مقولة تتناغم مع التصور التوراتي "لا يُؤخذ برأي الأمم" ومفادها أنه لا بأس بتلقي ضربات من الساحة الدولية مقابل تحقيق رؤية "الأرض الكاملة".

أما في خلاصة المشهد فيثبت أن *حكومة نتنياهو تقود مسارًا متسارعًا نحو واقع دولة واحدة، وهو هدف مركزي في "خطة الحسم" التي نشرها سموتريتش عام 2017، والتي تقضي بقيام كيان واحد بين البحر المتوسط ونهر الأردن، في حين يرتبط السلوك التصعيدي لسلطات الاحتلال في الضفة بتوجه إستراتيجي بدأ يتبلور ميدانيًا وسياسيًا يفضي لمسار التهجير في الضفة الغربية.

اخبار ذات صلة