قائمة الموقع

البرد يفتك بالأطفال والنساء وكبار السن بعد عامين من حرب الإبادة

2025-12-21T13:10:00+02:00
قطاع غزة سجل وفاة 16 حالة نتيجة البرد القارس وسوء ظروف الإيواء
فلسطين أون لاين

لم يعد فصل الشتاء في قطاع غزة مجرّد حالة مناخية عابرة، بل تحوّل إلى عدوّ حقيقي يهدّد حياة السكان، ويضاعف مأساتهم الإنسانية بعد عامين من حرب الإبادة التي دمّرت البيوت والبنية التحتية، وشرّدت مئات آلاف العائلات، وحرمتهم أبسط مقومات الحياة الآمنة.

ومع كل منخفض جوي، تتجدّد المخاوف، خصوصًا لدى الأطفال والنساء وكبار السن، مع غياب المأوى اللائق ووسائل التدفئة، واستمرار عرقلة الاحتلال الإسرائيلي إدخال المساعدات الإنسانية والكرفانات.

وخلال العام الحالي، سجّل القطاع وفاة ما لا يقل عن 16 حالة نتيجة البرد القارس وسوء ظروف الإيواء، من بينهم أطفال رُضّع توفوا بسبب انخفاض حاد في درجة حرارة أجسادهم داخل خيام لا تقي من الرياح ولا المطر. ولا تشمل هذه الأرقام مئات الحالات المرضية الخطيرة المرتبطة بالبرد، التي تفاقمت بفعل ضعف الرعاية الصحية ونقص الأدوية، ما يجعل الأعداد مرشحة للارتفاع مع استمرار فصل الشتاء.

داخل خيمة مهترئة في مخيم برشلونة بحي تلّ الهوا، تجلس سائدة السرحي (35 عامًا) وهي تضمّ أطفالها الثلاثة إلى صدرها، محاولة حمايتهم من البرد. تقول: "في الليل يصبح البرد لا يُحتمل، أطفالي يرتجفون ولا ينامون، لا نملك سوى بطانيتين خفيفتين، وكل ما أفعله هو احتضانهم. أخاف أن يمرضوا أكثر، فالأدوية غير متوفرة لا في المستشفيات ولا في النقاط الطبية".

وتضيف في حديثها لـ"فلسطين" أن طفلها الأصغر "يامن" يعاني منذ أيام سعالا حادا، وكلما اشتد البرد ساءت حالته. وتشير إلى أنها وزوجها يشعران بالعجز أمام أطفالهما؛ فلا هما قادران على توفير مكان لائق للحياة، ولا حتى على حمايتهم من البرد الذي ينهش أجسادهم.

الأطفال هم الحلقة الأضعف في مواجهة البرد. فالطفل أحمد (6 سنوات) يعاني من التهاب حاد في الصدر. تقول والدته، نصرة شنيورة: "إن الرطوبة وبرودة الأرض داخل الخيمة تزيدان من معاناته".

وتوضح لـ"فلسطين" أن طفلها لم يعد قادرًا على اللعب، ويتعب بسرعة، ولا يفارقه البكاء بسبب السعال المستمر.

وتشير شهادات أمهات إلى ارتفاع ملحوظ في إصابات الأطفال بنزلات البرد، والربو، والالتهاب الرئوي، خاصة في ظل سوء التغذية، ونقص الملابس الشتوية، والعيش في خيام مهترئة، ما يجعل أجسادهم عاجزة عن مقاومة الطقس القاسي.

النساء… معاناة مضاعفة

وتتحمّل النساء عبئًا مضاعفًا في فصل الشتاء. تقول أم سليم نبهان (42 عامًا) إن البرد لا يؤلم جسدها فقط، بل يثقل كاهلها بالمسؤوليات.

وتضيف: "البرد عدوّ جديد؛ أطراف أصابعي لا أستطيع تحريكها من كثرة العمل بالمياه الباردة، وما بين غسل الملابس وأعمال التنظيف والطبخ، تُصاب أصابعي ومفاصل جسدي بآلام شديدة في نهاية النهار".

وتلفت إلى أن يديها ممتلئتان بالجروح نتيجة العمل بالمياه الباردة، في ظل غياب أي علاجات من كريمات أو مضادات حيوية، ما يزيد من معاناتها.

أما كبار السن، فيتحوّل الشتاء بالنسبة لهم إلى موسم للألم. فالسيد أبو ناهض الأقرع (74 عامًا) لا يتوقف عن زيارة المستشفى بسبب الآلام التي يعاني منها، والتي تتفاقم مع فصل الشتاء.

ويقول لـ"فلسطين": "أعيش أنا وزوجتي وحدنا، وتكرر نزوحنا خلال الشهور الماضية بين منطقة الميناء في غزة، ثم غرفة صغيرة مظلمة ورطبة في إحدى المدارس".

ويضيف: "الشيء الوحيد المشترك في كل هذه الأماكن هو البرد، الذي بسببه لا أتوقف عن زيارة المستشفى"، لافتًا إلى أنه ينام على فراش على الأرض، لا يقيه من البرد سوى غطاء بسيط.

تحذيرات من كارثة

وحذّرت جهات حكومية في غزة من تفاقم الخطر الإنساني خلال فصل الشتاء، مؤكدة أن استمرار منع الاحتلال الإسرائيلي إدخال مواد الإيواء والتدفئة والكرفانات يعرّض حياة آلاف العائلات للخطر، خاصة الأطفال وكبار السن.

من جهتها، أطلقت الأمم المتحدة ووكالاتها الإنسانية تحذيرات متكررة من أن مئات آلاف النازحين يعيشون في خيام غير صالحة، دون حماية من البرد والأمطار، مؤكدة أن الشتاء قد يتحول إلى سبب مباشر للوفاة إذا استمر منع دخول المساعدات دون عوائق.

وأكدت وكالة "أونروا" أن الخيام الحالية لا توفّر الحد الأدنى من الأمان، وأن إدخال الكرفانات والمواد العازلة والوقود بات ضرورة إنسانية عاجلة، مشددة على أن الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية هم الأكثر عرضة للموت بسبب البرد.

كما أشارت منظمات إغاثية دولية إلى أن عرقلة الاحتلال إدخال المساعدات الإنسانية، بما فيها الكرفانات ومواد التدفئة، فاقمت معاناة السكان، وجعلت مواجهة الشتاء معركة غير متكافئة من أجل البقاء.

نظام صحي عاجز

ومع ارتفاع الإصابات المرتبطة بالبرد، يتزايد الضغط على نظام صحي يعاني أصلًا من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، وانقطاع الكهرباء، وصعوبة تشغيل الأجهزة، إذ تتحوّل كثير من الحالات البسيطة إلى مضاعفات خطيرة بسبب تأخر العلاج.

في قطاع غزة، لم يعد الشتاء موسمًا عابرًا، بل فصلًا من فصول المعاناة المستمرة. فالبرد، إلى جانب الحرب والحصار، يشكّل تهديدًا مباشرًا للحياة، في ظل بيوت مدمّرة، وخيام مهترئة، ومساعدات ممنوعة أو شحيحة.

وبينما يستقبل العالم الشتاء بالدفء والأمان، يستقبله أهل غزة بالخوف والترقّب، في واقعٍ تحوّل فيه البرد إلى عدوّ صامت ينهش أجساد الأطفال، ويُنهك النساء، ويقسو على كبار السن.

اخبار ذات صلة