قائمة الموقع

الآثار التعبوية للعبث في جغرافيا الضفة الغربية

2025-12-19T08:17:00+02:00
فلسطين أون لاين

تعرضت الضفة الغربية، وما زالت تتعرض إلى اجتياح معاد لم يسبق أن تعرضت له، حتى في الحملة العسكرية التي شنها "شارون" تحت مسمى السور أو الدرع الواقي في آذار عام 2002 والتي جاءت (كرد) على موجة العمليات الاستشهادية التي جبت من العدو في شهر واحد ما لا يقل عن 106 قتلى، من بينهم 26 جندي، بحيث أطلق "شارون" على هذا شهر العمليات تلك اسم: "آذار الأسود". إلّا أن الفارق بين حملة السور الواقي تلك، وما تشهده الضفة الغربية في هذه الأيام يكمن في أن ذاك الهجوم، لم يطل زمنه (29 آذار 2002 ـــــ 10 أيار 2002)، ولم يتسع انتشاره؛ فقد اقتصر دماره على محيط المقاطعة، ومخيم جنين بشكل أساسي. بينما ما تشنه قوات العدو من هجمات متكررة على مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية، منذ انطلاق حرب " طوفان الأقصى" فاق كل تصور، من حيث السعة والتمدد الجغرافي، وطول الفترة، ونوع الإجراءات، وآثارها على مجاميع المقاومة، وبيئتها الحاضنة. الأمر الذي يشير إلى مدى الأهمية التي يعيرها العدو لهذه الجغرافيا، وما فيها، ومن فيها، فهي الأقرب إلى مراكز ثقله المادية والبشرية، فمدفع هاون مُربّض في غرب مدينة قليقلية؛ كفيلٌ أن يحيل جوارها الغربي في فلسطين المحتلة عام الثمانية والأربعين إلى جحيم.

أما جبل الخليل وما فيه من شعاب ووديان، فهو كفيل، إن استغلت طبغرافيا المنطقة بشكل صحيح، كفيل بأن يؤوي كثيراً من المطاردين والمقاومين، فضلاً عما يمكن أن تشكله هذه الطبغرافيا، وما يوضع فيها من وسائط نار، من تهديد ذو مصداقية على مدينة بئر السبع وما فيها من أصول استراتيجية للعدو. كما أن ما تحويه الضفة الغربية من مصادر مياه في مخزونها الجوفي، حولها إلى خزان المياه الاستراتيجي الذي يغذي العدو، ومستوطنيه بالماء، في الوقت الذي يحرم فيه أهلنا وناسنا في هذه المناطق من الاستفادة من مصادر المياه تلك. أما عن خطورة خروج الحدود الشرقية للضفة الغربية مع الأردن عن سيطرة العدو؛ فحدث ولا حرج، الأمر الذي دفع العدو إلى جعل السيطرة على هذه الحدود، ومنطقة الأغوار، خطاً أحمر، لا يمكن أن يتجاوزه في أي اتفاقيات (سلام) معه.

إن أخطر ما يمارسه العدو الصهيوني من إجراءات (عبث) في هذا الجغرافيا يمكن إجماله بـــ:

1. عمليات الهدم الممنهج لممتلكات شخصية، أو منشآت اقتصادية، أو بناً تحتية وخدمية، توفر أسباب الصمود والثبات للمواطنين.

2. تقطيع أوصال، وعزل المدن والقرى والخِرب عن بعضها البعض، بحيث وصل عدد البوابات الحديدية بين هذه التجمعات السكنة إلى ما يقارب 900 بوابة وحاجز.

3. الانتشار السرطاني للبؤر الاستيطانية، والرعوية، بحيث أصبحت تمثل هذه التجمعات رؤوس جسور استيطان وتموضع، تتوسع مع مرور الزمن، لتصبح تجمعات سكنية (تأكل) ما يجاورها من جغرافيا، وتنغص على ما يجاورها من سكان.

4. إعادة هندسة وتصميم الحيز الجغرافي للمخيمات الفلسطينية، بحيث تصبح جزء من محيطها المدني، في محاولة لطمس أحد أهم ما يذكّر في القضية الفلسطينية؛ وهم أبناء المخيمات وسكانها، الذين هُجّروا من مدنهم وقراهم، وسكنوا في هذا المخيمات، حاملين معهم أمل العودة ومفاتيحها، ولو بعد حين.

إن هذا العبث، والاستباحة لهذه الجغرافيا، إنما يأتي في سياق تعبوي عملياتي صرف، كيف لا، وهي المنطقة الجغرافية التي لا يُدقُ فيها مسمار في حائط، ما لم تتم الموافقة عليه في وزارة دفاع العدو، فضلاً عن وزارة الشؤون المدنية المستحدثة على مقاس وزير المالية المتطرف " بتسلئيل سموترتش"، إن كل هذه الإجراءات تأتي في سياق تعبوي عملياتي الهدف منه:

1. السرعة في السيطرة على المواقف الأمنية واحتواء التهديدات، عبر إغلاق الطرق، ونشر الحواجز، في المناطق المستهدفة.

2. رفع كفاءة تشغيل قدرات المناورة البرية، عبر تفعيلها في مربعات جغرافية صغيرة نسبياً، فمن المعروف أن أغلب قوات العدو المنتشرة في منطقة الضفة الغربية، والتي تصل في بعض الأحيان إلى 24 كتيبة قتالية، أغلب عديد هذه القوات واستعدادها، من قوات الاحتياط، منخفضة الكفاءة والمهارات، خاصة إذا ما تم تشغيلها في مناطق عمليات كبيرة نسبياً.

3. رفع كفاءة قدرات ووسائط الجمع الاستخباري؛ البشرية منها والالكترونية، فالحد من المساحة المطلوب السيطرة عليها وتقليصها، وجعلها تحت المراقبة 24/24، ينعكس إيجاباً على جودة ما تجمعه هذه الوسائط من معطيات ومعلومات.

4. زيادة بأس القدرات النارية البرية والجوي المستخدمة في مناطق العمليات والمسؤولية، فكلما صغرت مساحة الحيز الجغرافي المراد تغطيته بالنار، زاد الأثر التدميري القاتل المستخدم عبر تلك الوسائط القتالية.

5. تضييق هامش مناورة وحركة فصائل المقاومة في الضفة الغربية، فلا عقبة آمنة يمكن اللجوء لها، ولا طرق وممرات يمكن أن تستخدم للخروج أو الانسحاب من منطقة العمليات، ولا جغرافيات خارج سيطرة العدو يمكن أن تستخدم لتخزين قدرات قتالية، فضلاً عن استيعاب أصول فنية تخدم في العمليات الفدائية.

6. جعل البيئة الحاضنة للمقاومة، بيئة طاردة، وهو أخطر ما يمكن أن ينتج عن استباحة المناطق و(العبث) فيها وإعادة هندستها، فلهذه البيئات قدرة على التحمل، ولديها أولويات قد لا تتطابق مع أولويات المقاومة والمقاومين، فإن تحقق للعدو هذا الهدف؛ فسيتحول العمل المقاوم إلى عمل دونه خرط القتاد، ولن يجدى نفعاً مهما امتلك المقاومون من عدة وعتاد.

أمام هذا الموقف الخطير والجلل؛ *لا بد لفصائل العمل الوطني الفلسطيني العاملة في الضفة الغربية، أو تلك التي لها دالات على العاملين في هذه الجغرافية، لا بد لها من وقفة تفكير جمعي* تناقش فيها مسائل، من أهمها:

1. توصيف مهمة ودور الضفة الغربية في مشروع المقاومة والتحرير.

2. اجتراح سبل وطرق عمل تزيد من قدرة الحاضنة الشعبية على الصمود والثبات، بحيث لا تتحول إلى بيئة طاردة للمقاومة والمقاومين.

3. ترتيب أولويات عمل هذه الفصائل بشكل يراعي أولويات البيئة والحاضنة الشعبية، بعد تعريف دور هذه الحاضنة في مشروع المقاومة والتحرير.

4. تخصيص القدرات بما يتناسب ويناسب الدور والمهمات.

5. وضع الضوابط والسياسات الداخلية، وقواعد الاشتباك الخارجية واجبة الإجراء، في مناطق العمليات والمسؤولية.

اخبار ذات صلة