في الوقت الذي تسوق الإمارات لتقديم مساعدات إغاثية لقطاع غزة، تعمق الشراكة مع من يقتل ويصنع وسائل قتل الشعب الفلسطيني، في تناقض فاضح بين خطابها الإنساني وممارسة خلافه على الأرض، وكأنها تمد ورقة إنقاذ جديدة للاحتلال للتخفيف عنه كلفة الحرب ومساعدته على تسويق السلاح الذي قتل فيه نحو 70 ألف شهيد فلسطيني.
وذكرت صحيفة "معاريف" العبرية في عددها الصادر أول من أمس، أن كبرى شركات الأسلحة الإسرائيلية وقّعت على أضخم صفقة أسلحة مع الإمارات العربية.
وقالت الصحيفة العبرية إن شركة "إلبيت " للصناعات العسكرية وقّعت على أضخم صفقة في تاريخها وذلك بقيمة 2.3 مليار دولار، حيث تقضي الصفقة بتزويد الإمارات بمنظومات عسكرية متطورة على مدار 8 سنوات.
في حين رفضت الشركة الإسرائيلية الإفصاح عن الطرف الثاني للصفقة مكتفية بإبلاغ البورصة الإسرائيلية أنها وقعت "صفقة إستراتيجية" مع زبون خارجي، مبررة عدم الإفصاح بوجود بند يقضي بسريّة الصفقة.
أفاد موقع "والا" العبري أن دولة الإمارات هي الزبون الغامض الذي يقف وراء أكبر صفقة في تاريخ شركة الصناعات العسكرية الإسرائيلية "إلبيت سيستمز"، وثاني أكبر صفقة أسلحة في تاريخ (إسرائيل) ككل.
ويأتي هذا الكشف بعد أن أعلنت الشركة الشهر الماضي عن إبرام الصفقة الضخمة لتزويد أنظمة عسكرية لجهة رفضت الإفصاح عن هويتها في ذلك الوقت.
ووفقاً لما نشره موقع الاستخبارات الفرنسي Intelligence Online، ونقله موقع "والا"، فإن الإمارات اشترت نسخة متطورة من أنظمة حماية الطائرات من طراز J-Music التي تنتجها "إلبيت".
وستنفذ الصفقة على مدار ثماني سنوات، وستشمل نسخة متطورة من أنظمة حماية الطائرات، وتعتمد هذه المنظومة على تكنولوجيا الليزر المتقدمة، لتعطيل مستشعرات الصواريخ (أرض – جو) التي تطلق باتجاه الطائرات، وسيتم تصنيع الأنظمة داخل الإمارات ضمن مشروع مشترك، الذي حصل على موافقة مسؤولين إسرائيليين.
ولم تعد العلاقة بين الاحتلال والإمارات مجرد "بائع ومشتر" بل تطورت لإنتاج مشترك، حيث وقعت مجموعة "إيدج" الإماراتية عدة اتفاقيات شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية على تطوير زوارق مسيرة، وأنظمة مضادة للطائرات بدون طيار.
ولم تكن هذه الصفقة الأولى بين الجانبين، فقد اشترت الإمارات إلى جانب دول التطبيع الأخرى (البحرين والمغرب) في العام 2022، ما يقرب من 25% من صادرات الأسلحة الإسرائيلية للعالم، والمقدرة بنحو 12.5 مليار دولار.
وفي العام الذي سبقه (2021)، اشترت الإمارات والبحرين أسلحة بقيمة 800 مليون دولار، جُربت جميعها بما فيها الأنظمة الدفاعية والهجومية قبل بيعها فيما يُعرف بـ "مختبر فلسطين".
ولم تكتفِ أبو ظبي بشراء الأسلحة فحسب، بل تعتبر مستثمراً نشطاً في صناعة الأمن والدفاع الإسرائيلية عبر صندوق "مبادلة" للاستثمار (شركة استثمار عالمية تتمثل مهمتها في تحقيق عوائد مالية مستدامة لحكومة أبوظبي)، وجهاز أبوظبي للاستثمار (الصندوق السيادي الرئيسي لإمارة أبوظبي)، ومجموعة "G42" (المتخصصة بالتجسس والمملوكة للشيخ طحنون بن زايد مستشار الأمن الوطني)، حيث خصصت الدولة في مارس 2021 مبلغ 10 مليارات دولار للاستثمار في القطاعات الاستراتيجية الإسرائيلية.
وخلال الحرب وبينما كانت المساعدات الإماراتية تصل مدينة العريش المصرية بانتظار السماح لها بالدخول لغزة، كان الجسر البري يمر عبر أراضيها باتجاه السعودية الأردن ومن ثم دولة الاحتلال، بهدف التخفيف من الحصار البحري الذي فرضته القوات المسلحة اليمنية بمنع السفن التابعة للاحتلال من المرور عبر البحر الأحمر.
تسويق على الدماء
وقال الكاتب والمحلل السياسي عدنان الصباح: إن "الأنظمة التي لم تتحرك خلال الإبادة وبقيت صامتة على ما يحدث في غزة، لن تجد ما يعيبها بعد ذلك، فلا يوجد أبشع مما جرى خلال الإبادة وظلت تلك الأنظمة صامتة".
وأكد الصباح لـ "فلسطين أون لاين" أن الاحتلال استخدم الشعب الفلسطيني لتجريب الأسلحة ومن ثم تسويقها للعالم على دماء الشعب الفلسطيني الذي كان حقل تجارب لكل الصواريخ المحرمة دوليًا، لكن أن تبادر الإمارات كأول دولة تعقد صفقة سلاح بعد الإبادة مع الاحتلال، فهذا "قمة العار والخيانة".
وحول توقيت عقد الصفقة، رأى أن كمية الأسلحة الهائلة أكبر من حاجة الإمارات، لأنها دولة ليست كبيرة ولا تخوض حروبا، وهي تخدم أجندات أمريكية، معتبرا الصفقة هدية للاحتلال الذي يحتاج لتغطية تكاليف الإبادة عبر تسويف السلاح".
ولم يستبعد الصباح أن تكون تفاصيل الصفقة أكبر من المعلومات المنشورة، مستغربا كيف تقوم دولة عربية بشراء السلاح نفسه الذي أباد الشعب الفلسطيني ومن الدولة التي ارتكبت الإبادة.
ويثير حجم الصفقة الهائل تساؤلات الصباح حول جدوى شراء السلاح وهي دولة صغيرة، ورغم ذلك تدخل في الصراع اليمني والسوداني.
إطالة عمر آلة القتل
بدوره، يقول المختص في الشأن الإسرائيلي أمين الحاج: إن " الصفقة تأتي في ذروة حرب طويلة واستنزاف عسكري واقتصادي للاحتلال، لتدلل أن التطبيع انتقل من السياسة إلى اقتصاد الحرب والدلالات واضحة، أولها شراكة أمنية عميقة وطويلة الأمد الى جانب الشراكة الاقتصادية، وهذه الشراكة ليست كما يظن البعض بأنها شراكة أو علاقة ظرفية طارئة او مجاملة دبلوماسية، بل هي أبعد بكثير".
وأضاف الحاج لـ "فلسطين أون لاين" بأن الاحتلال الخارج من معركة طويلة وفشل عسكريا على الأرض في قطاع غزة فأن يتم تمويل صناعاته العسكرية بعد أن تراجعت دول عن شراء صناعاتها هو انقاذ لها وتمنحه شرعية إقليمية ودولية كمصنع للأسلحة ومزود آمن لها بوصفها قوة احتلال والأخطر أنها تخفف كلفة الحرب داخليا وتحولها الى مشروع مربح".
ورأى أن الصفقة تُطيل عمر آلة القتل وتضر بأي مساعي لعزلها اقتصاديا وسياسيا وأخلاقيا، فما تقدمه الإمارات من مساعدات إنسانية للفلسطينيين تصبح بمثابة ورقة توت أو تجميل، بينما صفقات السلاح تعمق الشراكة مع من يقتل ويصنع وسائل القتل، وهذا تناقض فاضح بين أي خطاب انساني وممارسة خلافه على الأرض، أي أن التناقض هنا أخلاقي وسياسي وقومي في آن واحد.