في مشهد يختصر حجم المأساة الإنسانية في قطاع غزة، تحولت أروقة قسم الاستقبال والطوارئ في مجمع الشفاء الطبي، غربي مدينة غزة، إلى مساحات تغمرها مياه الأمطار، فيما جلس المرضى والجرحى في زوايا القسم محاولين الاحتماء من المطر المتسرب من الأسقف والجدران.
ولم تكن هذه المياه نتيجة منخفض جوي عابر فحسب، بل ثمرة مباشرة لتدمير جيش الاحتلال الإسرائيلي للبنية التحتية واستهدافه المرافق الصحية خلال حرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها القطاع منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وبين أصوات الرياح وانسياب المياه على الأرضيات، واصل الأطباء عملهم بإمكانات شبه معدومة، فيما اضطر بعض المرضى إلى مغادرة المستشفى بحثًا عن مأوى أكثر أمانًا، في صورة تعكس انهيار المنظومة الصحية وتضاعف معاناة المدنيين في ظل الحرب والحصار والشتاء القاسي.
ويُعدّ مجمع الشفاء الطبي أكبر مستشفيات قطاع غزة، وقد تعرض لدمار هائل وعمليات قصف وحرق طالت معظم مبانيه خلال حرب الإبادة الجماعية التي بدأت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
رعاية صحية
وتقول سناء أبو سلطان، التي حضرت يوم أمس إلى مجمع الشفاء الطبي برفقة ابنتها لتلقي العلاج بعد معاناتها من آلام شديدة في البطن نتيجة إصابتها خلال حرب الإبادة، إن انسياب المياه داخل القسم دفع عددًا من المرضى، لا سيما أصحاب الجراح، إلى مغادرة المستشفى والبحث عن أماكن أخرى تحميهم من المطر.
وأضافت أبو سلطان، لـ "فلسطين أون لاين"، أن المشهد كان صادمًا، إذ لم يعد المكان صالحًا لتلقي العلاج في ظل هذه الظروف وتسرب مياه الأمطار من الأسقف.
وطالبت أبو سلطان العالم الحر والمؤسسات الدولية والحقوقية بالتدخل الفوري والعاجل لتوفير مكان صحي وآمن للمرضى، وضمان حمايتهم وتقديم الرعاية الصحية اللازمة لهم، إضافة إلى إدخال احتياجات قطاع غزة بشكل عاجل، وإعادة إعمار مستشفى الشفاء والقطاع بالكامل، حمايةً للمرضى من مخاطر الشتاء والأمطار.
من جانبه، اضطر رياض مقداد إلى مغادرة مجمع الشفاء الطبي بعد لحظات من وصوله، رغم معاناته من آلام شديدة في قدمه نتيجة إصابته خلال الحرب.
وأشار مقداد، لـ"فلسطين أون لاين"، إلى أنه حضر لتلقي العلاج والرعاية الصحية، لكنه فوجئ بغرق قسم الاستقبال، ما أجبره على العودة إلى منزله سيرًا على الأقدام تحت المطر.
وأكد أن غزة بأكملها تغرق بفعل المنخفض الجوي، مطالبًا المؤسسات الدولية الإنسانية والحقوقية والطبية بتوفير أماكن آمنة للرعاية الصحية، وإنهاء معاناة المرضى والجرحى، وإدخال مستلزمات الإعمار، وحماية القطاع من الغرق.
عمل متواصل
من جهته، قال مدير مستشفى الشفاء في غزة، محمد أبو سلمية، في تصريح صحفي للتلفزيون العربي، إن قسمي الطوارئ والعمليات غرقا جراء الأمطار الغزيرة.
وأشار أبو سلمية إلى زيادة كبيرة في أعداد الأطفال والمرضى المصابين بأمراض مزمنة الوافدين إلى المستشفى نتيجة المنخفضات الجوية.
ويأتي هذا المشهد في وقت كان مجمع الشفاء الطبي قد تعرض فيه لتدمير واسع على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال حرب الإبادة الجماعية، حيث جرى اجتياحه مرتين وإخراجه عن الخدمة، ما جعله هشًا أمام أي طارئ طبيعي، لا سيما مع تدمير شبكات الصرف الصحي والبنية التحتية المحيطة به.
كما تسببت الأمطار، فجر أمس، في غرق خيام النازحين وتطاير المئات منها في مختلف مناطق قطاع غزة، حيث يواجه مئات آلاف المواطنين أوضاعًا مأساوية داخل خيام مهترئة، مع غياب أدنى مقومات الحياة من أغطية وملابس شتوية، في ظل استمرار المنخفض الجوي وهبوب الرياح الشديدة.
وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي صورًا ومقاطع مصورة توثّق غرق قسم الاستقبال والطوارئ في مجمع الشفاء الطبي جراء المنخفض الجوي الذي يضرب قطاع غزة.
وكانت وزارة الصحة قد شرعت خلال الشهرين الماضيين في ترميم بعض مباني وأقسام المستشفى، عقب دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2025، إلا أن اتساع حجم الأضرار، إلى جانب شحّ الإمكانات، حال دون استئناف العمل بشكل طبيعي، لا سيما في ظل استمرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي في عرقلة دخول المستلزمات والأجهزة الطبية والأدوية.