مع دخول منخفض جوي جديد محمّل بالأمطار والرياح الباردة، تتجدد مخاوف آلاف العائلات النازحة في قطاع غزة، التي تعيش منذ شهور طويلة داخل خيام مهترئة لا تقي من برد الشتاء ولا من مياه الأمطار، لا سيّما أنها لم تلتقط أنفاسها مما حلّ بها خلال المنخفض الجوي العميق السابق.
ووفق الأرصاد الجوية، بدأ أمس الاثنين تأثير منخفض جوي بارد على المنطقة، وسيمتد حتى يوم الأربعاء، حيث سيتركز الهطول المطري بشكل أكبر على قطاع غزة، مع خطر تشكّل الفيضانات والسيول.
ولا يعد المنخفض الجوي بالنسبة لنازحين مجرد حالة طقس عابرة، بل تهديدًا مباشرًا للحياة، خاصة للأطفال والمرضى وكبار السن، خصوصاً أنهم يواجهونه بوسائل شبه معدومة، بعد أن دمّرت حرب الإبادة منازلهم وأجبرتهم على النزوح المتكرر.
وأقام النازحون خيامهم فوق أراضٍ رملية أو زراعية مدمرة، دون أرضيات عازلة ولا تصريف للمياه لتغدو مع كل هطول للأمطار بؤراً للطيب والرطوبة والبرد القارس، ومع كل منخفض تزداد المخاوف أكثر من غرق الخيام وابتلال الأغطية وتعرض الأطفال والمرضى لمضاعفات صحية خطيرة، في وقت يعاني فيه القطاع الصحي من انهيار شبه كامل.
يجلس المواطن نهاد عبد الهادي (33 عاماً) أمام خيمته المصنوعة من القماش المهترئ، وقد نصب أوتادها على قارعة الطريق في منطقة الصفطاوي شمالي مدينة غزة، حيث يحاول تثبيت أطرافها بالحجارة تحسباً للرياح القادمة، كما عمل على رفعها عن الأرض قليلاً خشية دخول المياه لها كما في المنخفض السابق.
يقول عبد الهادي بصوت يختلط فيه القلق بالعجز لـ "فلسطين أون لاين": "أعيش مع عائلتي المكونة من خمسة أفراد حالة من القلق والخوف من المنخفض الذي يضرب قطاع غزة حالياً، خصوصاً إذا هطلت كميات كبيرة من الأمطار".
ويضيف عبد الهادي وهو ينظر إلى منزله الذي تحوّل إلى أكوام من الحجارة "في المنخفض السابق غرقت الخيمة بالكامل، وبقينا طوال الليل واقفين نحمل الأطفال حتى لا يناموا على الأرض المبللة. لا بطانيات كافية ولا ملابس شتوية، واضطررنا لترك الخيمة والمبيت في بركس حديدي بجانبنا".
ويحكي بصوت مُثقل بالتعب والوجع "بات الشتاء مصدر قلق ووجع لنا، خصوصاً أننا نعيش في خيمة أصبحت بالية ومهترئة لا تقينا برد الشتاء ولا حر الصيف. نتمنى أن يتم انهاء هذه المعاناة من خلال السماح بإدخال البيوت المتنقلة، وصولاً إلى الإعمار الكامل".
لا يختلف الحال كثيراً لدى المواطن عامر مصلح (32 عاماً) الذي تنحدر أصوله من بيت حانون شمالي القطاع، لكنه اضطر لنصب خيمته في حي الشيخ رضوان شمال غرب مدينة غزة، بعد مسلسل من النزوح المتكرر بدأ مع اندلاع شرارة معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023.
يقول مصلح وعلامات الأرق تجتاح تقاسيم وجهه القمحي: "لم نلتقط انفاسنا من المنخفض السابق، الذي غرقت به الخيمة بالكامل، واضطررنا لمغادرها في ساعات الليل المتأخرة، وقد تبلل كل الفراش والأغطية".
ويروي لمراسل "فلسطين أون لاين": "عندما نسمع أن هناك منخفضا جويا سيضرب القطاع، يزداد القلق لديّ، خصوصاً أن لديّ طفلين، لا يحتملان البرد الشديد، ولا تتوفر لدي أي وسائل تدفئة، والخيمة مهترئة. إلى متى سنبقى في هذه المأساة؟".
ولا تقتصر المعاناة على البرد فقط، بل تمتد إلى الخوف من انهيار الخيام بفعل الرياح الشديدة. في كل منخفض جوي، تضطر عائلات كاملة إلى النزوح مرة أخرى بحثًا عن مكان أقل سوءًا، في مشهد يعكس هشاشة الواقع الإنساني في قطاع غزة.
وفي ظل هذه الأوضاع، تتعالى مناشدات النازحين للجهات الإنسانية بضرورة توفير خيام مقاومة للأمطار، وأغطية شتوية، ووسائل تدفئة آمنة، قبل أن يتحول المنخفض الجوي القادم إلى كارثة جديدة تُضاف إلى سجل المعاناة الطويل في قطاع غزة.
من جهته، حذر رئيس قسم العلاقات العامة والإعلام في الدفاع المدني- محافظة غزة عبدالله المجدلاوي، من تكرار المأساة التي عاشها آلاف المواطنين في قطاع غزة خلال المنخفض الجوي السابق.
وقال المجدلاوي لـ "فلسطين أون لاين": "نقف عاجزين أمام استغاثات المواطنين التي تصلنا خلال المنخفض، في ظل عدم توفر الأدوات والمعدات اللازمة لإنقاذ المواطنين"، مشيراً إلى أن الخيام أصبحت بالية ومهترئة كون أن المواطنين يستخدمونها منذ ما يزيد عن عامين.
وأضاف "في ظل انعدام الإمكانيات لدى طواقم الدفاع المدني سنشاهد المزيد من غرق الخيام وانهيار المنازل خلال المنخفض، ما يعكس انهيار البنية التحتية في القطاع، إذ أن مياه الأمطار تختلط بمياه الصرف الصحي"، مشدداً على أن "قطاع غزة يعيش أوضاعاً مأساوية".
وطالب المجدلاوي، كل المؤسسات والمنظمات الحقوقية الدولية لوضع حد للمأساة التي يعيشها سكان قطاع غزة من خلال الضغط على الاحتلال من أجل ادخال البيوت المتنقلة والمزيد من الخيام التي أصبحت مهترئة.
تجدر الإشارة إلى أن منخفض "بيرون" السابق، أسفر عن ارتقاء 11 شهيداً، وانهيار 13 منزلاً في محافظات قطاع غزة حيث أن هذه المنازل تعرضت للقصف من الاحتلال، كما تسبب بغرق أكثر من 27 ألف خيمة من خيام النازحين.