في ظل اتفاق وقف إطلاق النار الذي كان يُفترض أن يخفف من معاناة المدنيين في قطاع غزة ويمهّد لمرحلة من التهدئة، تتواصل الخروقات الإسرائيلية بشكل ممنهج، ما يحوّل الاتفاق إلى إطار هشّ مهدد بالانهيار في أي لحظة.
ومن الواضح أن عمليات الاستهداف والاغتيال، والتحليق المكثف للطائرات، والاعتداءات المتكررة، تعكس إصرار الاحتلال على فرض وقائع ميدانية جديدة، واستخدام الخروقات كأداة ضغط سياسية وعسكرية، بما يقوّض فرص تثبيت التهدئة ويعيد المنطقة إلى دائرة التصعيد وعدم الاستقرار.
وفي 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، دخل اتفاق لوقف حرب الإبادة وتبادل الأسرى حيز التنفيذ في غزة، لكن الاحتلال يواصل خروقاته للاتفاق، قتلا وتجويعا، ويتعنت في إدخال المساعدات الإنسانية، وفتح المعابر.
ووفق إحصائية لوزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، وصل عدد الشهداء منذ اتفاق وقف اطلاق النار في 11 أكتوبر 2025، إلى 391 شهيداً، وما يزيد عن 1060 إصابة.
ويرى الخبير الاستراتيجي والعسكري الأردني نضال أبو زيد، أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي في خرق اتفاق وقف إطلاق النار لا يمكن فصله عن الأزمة السياسية والعسكرية الداخلية التي تعيشها حكومة بنيامين نتنياهو، معتبرًا أن هذه الخروقات باتت "الشريان الرئيسي" لاستمرار الحكومة الحالية في الحكم، في ظل عجزها عن الذهاب نحو مواجهة عسكرية شاملة.
وأوضح أبو زيد لـ "فلسطين أون لاين"، أن نتنياهو يدرك تمامًا أن الظروف الحالية لا تسمح له بخوض عمليات عسكرية برية تقليدية، في ظل تخفيض موازنة الجيش الإسرائيلي إلى نحو 112 مليار شيكل، إضافة إلى ما تتحدث عنه وسائل الإعلام العبرية من نقص حاد في القوى البشرية داخل المؤسسة العسكرية.
ولفت إلى وجود عجز يقدّر بنحو 1300 ضابط من رتبة ملازم حتى نقيب، ونحو 300 ضابط برتبة رائد، فضلًا عن حالة العزوف المتزايدة عن الالتحاق بالخدمة العسكرية، وتقليص قوات الاحتياط من 60 ألفًا إلى 40 ألف جندي.
وبحسب أبو زيد، فإن أهداف الاحتلال من خلال هذه الخروقات تتمحور حول مسارين رئيسيين؛ الأول يتمثل بمحاولة استهداف "سلسلة القرار" لدى المقاومة وتهشيم بنيتها التنظيمية، عبر عمليات اغتيال وضربات انتقائية. أما الهدف الثاني، فهو استفزاز المقاومة ودفعها للرد العسكري، بما يؤدي إلى إفشال اتفاق وقف إطلاق النار، ومنع الانتقال إلى المرحلة الثانية منه.
وأشار إلى أن نتنياهو يدرك أن المرحلة الثانية من الاتفاق تمثل فاتورة سياسية باهظة عليه داخليًا، خاصة في ظل المعارضة الشديدة داخل حكومته وبيئته السياسية للانتقال إلى هذه المرحلة.
وأضاف أن المقاومة تسعى بدورها إلى سحب الاحتلال نحو استحقاقات المرحلة الثانية، وهو ما يحاول نتنياهو إفشاله بكل الوسائل الممكنة.
وفيما يتعلق باغتيال القائد في كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس رائد سعد، اعتبر أبو زيد أن توقيت العملية يحمل دلالات سياسية واضحة، لافتًا إلى أنها تأتي قبيل لقاء مرتقب بين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 30 من الشهر الجاري.
وفسّر ذلك بمحاولة نتنياهو الظهور أمام الإدارة الأمريكية بمظهر القوي القادر على تحقيق المصالح الأمريكية في المنطقة وتفكيك قوى المقاومة، عبر استعراضات عسكرية من شأنها رفع منسوب الاستهداف في قطاع غزة خلال الفترة المقبلة.
وعن السيناريوهات المتوقعة، رجّح أبو زيد أن تذهب (إسرائيل) في نهاية المطاف إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، رغم محاولات نتنياهو المستمرة لإعاقتها، من خلال التركيز على ملف نزع سلاح المقاومة، ومواصلة العمليات الانتقائية عبر وحدات خاصة.
وحذّر في الوقت ذاته من مخاطر الاستهانة بطائرات الاستطلاع، ولا سيما طائرات "R1" البريطانية، التي ما زالت تحلّق في أجواء قطاع غزة، رغم الحديث الإعلامي عن انسحابها، معتبرًا ذلك "خدعة إعلامية"، حيث تُظهر المعطيات أنها تقلع من قواعدها في قبرص وتواصل مهامها فوق القطاع.
التصعيد بالضفة
وعلى صعيد آخر، ربط أبو زيد التصعيد المتزايد في الضفة الغربية بمخططات ضم الأراضي، معتبرًا أن ما يجري هو عملية هندسة جغرافية وديمغرافية واضحة.
وحذّر من أن الضفة الغربية تقف على "صفيح ساخن"، مرجحًا أن يشهد النصف الأول من عام 2026 تصعيدًا ملحوظًا في العمليات، ليس فقط من جانب الاحتلال، بل أيضًا نتيجة اشتباكات متوقعة بين المستوطنين المتطرفين والسكان الفلسطينيين، ما ينذر بمرحلة شديدة الخطورة في المشهد الفلسطيني.