منذ 26 شهرًا سخرت منظومات الاحتلال العسكرية والأمنية كل تركيزها وثقلها على بؤرة تحاصرها وتتحكم بكل مواردها بحرب مفتوحة لم تبقِ فيها حجرًا على حجر، وتعاونت استخباريًا -وفق تقارير دولية- مع ما لا يقل عن ثلاث أجهزة استخبارية كبرى في العالم شاركت في تسيير طيرانها فوق أجواء القطاع وسخّرت مقدراتها التجسسية لتحقيق هدفين هما معالجة ملف أسرى الاحتلال بلا تبادل، واغتيال كل من تسبب في أزمة الاستخبارات الأعقد منذ نشأة الكيان في يوم السابع من أكتوبر.
ملف الأسرى، هُوّة استخبارات لا تُجسر..
فيما تجلّى الفشل الميداني الأكبر طيلة 24 شهرًا من العدوان في تعثر كل الوحدات الأمنية الأساسية والمساندة لها من الاستخبارات الأجنبية في تحديد وتخليص 250 أسيرًا كانوا بيد عناصر المقاومة في مختلف أنحاء القطاع تزامنًا مع وجود عشرات آلاف جنود الاحتلال على أرض القطاع في مسرح عمليات يكاد يكون هو الأكثر كثافة في الحروب الحديثة مع منظومات احتياط وخدمات لوجيستية وتجسسية فاقت الـ 100 ألف جندي نظامي واحتياط.
ولهذا المعنى أشار نيتسان ألون، المفاوض الإسرائيلي السابق والمسؤول الرفيع الأسبق في جيش الاحتلال الذي كشف لأول مرة عن تشكيل منظومات الاحتلال وحدة خاصة مكونة من 2500 عنصر وضابط استخبارات عملت على ملف الأسرى بلا تحقيق أي اختراق، وأن نيران جيش الاحتلال الإسرائيلي كانت سبب مقتل معظم الأسرى الإسرائيليين في جباليا شمال قطاع غزة، نتيجة ما وصفه بـ“ثغرات استخبارية خطيرة”، مضيفًا: "عانينا شُحًّا كبيرًا في المعلومات حول أماكن الاحتجاز، فحماس نقلت الأسرى باستمرار من موقع لآخر تاركة استخباراتنا في ثغرات معلوماتية كبيرة".
وحتى على صعيد جثث الأسرى أظهرت المقاومة باستكمالها كل متطلبات المرحلة الأولى من الاتفاق مستوًى جديدًا بعد كل ما تعرضت له في حرب استئصال على مدار عامين فحددت مسارات وإحداثيات جثث في أماكن عمل بها جيش الاحتلال بكل معداته وفرقه الهندسية شهورًا طويلة بلا طائل أو نتيجة، ووضعت منظومات الاحتلال أمام سؤال كبير حول جدوى كل العمليات العسكرية التي هدفت لتفكيك وإنهاء البنية القيادية التي تقود العمل المقاوم في القطاع ومدى سيطرتها على الميدان.
ملف الاغتيالات.. ترميم لصورة هشّة
سخرت منظومات الاحتلال العسكرية والاستخبارية مقدرات وجهودًا خاصة في ملاحقة مفجر الطرفان ورئيس حركة حماس السابق الشهيد يحيى السنوار لمحاولة تحديد موقعه على مدار ثمانية أشهر من الحرب بوتيرتها القصوى، فتفاجأت به مشتبكًا مع جنودها في خط القتال الأول في رفح بعد أشهر من ترويج "أفلام هوليوود" نسجتها سردية الاحتلال الإعلامية حول أساليب ملاحقته ومطاردته.

كما كشفت مصادر محلية أن عددًا من كبار قياديي المقاومة قضوا خلال اشتباكات مباشرة وجهًا لوجه مع جنود الاحتلال في مناوراته البرية بمناطق القطاع المختلفة، في حين تمكن الاحتلال من اغتيال عدد آخر من القادة خلال تفقدهم لخطوط الاشتباك ومتابعتهم لمجريات المعركة في الميدان في بيئة هي الأكثر تعقيدًا وغزارةً في مستوى التركيز الاستخباري، وبالرغم من ذلك كله أصدر الاحتلال عدة بيانات زعم فيها اغتيال شخصيات قيادية تكشف مع الهدنة الأولى ملامح فشله في الوصول إليهم.
وفي خلاصة حرب العامين لم يتمكن الاحتلال من تحقيق نجاحات لافتة "وبراقة" في أي عملية اغتيال، إذ ارتكزت سياسته على استهداف لقيادات على خطوط التماس أو شخصيات تمارس مهامًا خدمية وحكومية وفي بعض الأحيان شخصيات تخلت عن إجراءات أمنها، إلا أن الفترات التي حقق فيها الاحتلال أكثر عمليات استهداف "ناجحة" كانت بعد غدر ونكص بعهود اتفاقات مبرمة انقلب عليها في مارس من العام الجاري، وخرقها أكثر من 5 مرات منذ أكتوبر الماضي في جولات استهداف لقيادات وشخصيات بارزة في العمل المقاوم كانت تمارس دورها وعملها الاعتيادي.
وفي مساء السبت 13/12/2025 زعم جيش الاحتلال نجاحه في اغتيال القيادي في المقاومة رائد سعد، والذي كانت تطارده منذ الانتفاضة الثانية عام 2000م، فخرجت سردية لدى "جوقة إعلام الاحتلال وأبواق نتنياهو" تشير أن ملاحقة حثيثة بدأت للقيادي سعد قبل أسبوعين فقط، محاولةً غسل فشل استمر عقدين ونصف في الوصول له، إذ كانت تطارده منذ شبابه وزعمت نجاحها في تصفيته كهلًا مشيب الرأس، وفي لحظة خرق سافر لاتفاق وقف إطلاق النار.

