في شوارع أنهكها القصف وبيوت لم يبقَ منها سوى أطلال، يحاول أطفال غزة أن يتشبثوا بما تبقّى من طفولتهم. عامان من الحرب المتواصلة لم تترك لهم مساحة آمنة للّعب، ولا وقتاً كافياً للحلم، فكبر الخوف في عيونهم قبل أوانه، وحلّت الصدمة محل البراءة.
في منطقة اليرموك شرقي مدينة غزة، حيث تداخلت مشاهد الدمار مع قصص الفقد والنزوح والجوع، باتت الحاجة إلى الدعم النفسي للأطفال لا تقل إلحاحاً عن حاجتهم إلى الغذاء والدواء، بعدما خلّفت الحرب جروحاً نفسية عميقة يصعب تضميدها بمرور الوقت.
تحت عنوان "رغم الألم نزرع الأمل"، أُقيمت فعالية دعم نفسي للأطفال في تلك المنطقة، في محاولة لانتزاع لحظة فرح من قلب حرب استمرت عامين متواصلين أنهكت الطفولة وسرقت من الصغار بيوتهم وألعابهم وأمانهم.
على وقع الأناشيد الوطنية التي ألقتها فرقة إنشاد فلسطينية في غزة، وقفت لما لبد (12 عاماً) محاولةً استعادة شيء من طفولتها المفقودة. تقول: "جايين نرفه عن حالنا من الحرب والقصف والدمار. دارنا انقصفت وغرفتنا اللي فيها ألعابي راحت وما ضل النا إشي".
وتضيف بصوت يمتزج بالفرح لمراسل صحيفة "فلسطين"، "الفعالية حلوة كتير وبدنا يكرروا هذه الفعالية". كلمات لما تختصر حكاية آلاف الأطفال الذين فقدوا منازلهم ولم يبقَ لهم سوى الذكريات المؤلمة.
أما مسلمة أبو طاحون (15 عاماً)، فجاء وهو يبحث عن متنفس يخفف عنه ثقل عامين من الحرب: "أنا جاي أفرح وأنبسط ونغيّر نفسية الحرب. لما عرفت عن الفعالية انبسطت كتير، وبتمنى تصير كل أسبوع عشان نضلنا نفرح وننسى الحرب"
ويحكي وعلامات الفرح ترتسم على وجهه "حالياً أنا حاسس بالفرح والانبساط". مشاعر مسلمة تعكس الحاجة الملحّة للدعم النفسي، في ظل واقع لا يزال يضغط على الصحة النفسية للأطفال والمراهقين.
أما الطفل محمود بدير (14 عاماً) فلم يخفِ حجم الألم الذي عاشه، قائلاً: "الحرب كانت صعبة وشفت مشاهد صعبة لقتل الأطفال والنساء وقصف البيوت. إحنا كنا بحاجة لتفريغ عن نفسنا، وهذه الفعالية خففت عنا كثير". شهادة محمود تسلط الضوء على الأثر النفسي العميق الذي خلفته مشاهد العنف المستمرة، في وقت تؤكد فيه المؤسسات الحقوقية والإنسانية أن أطفال غزة يواجهون مستويات غير مسبوقة من الصدمات النفسية.
من ناحيته، قال منسق فعالية الدعم النفسي عبد الرحمن أبو ريالة، إن هذه الفعالية جاءت بمبادرة شخصية من أهالي المنطقة، من أجل التخفيف عن كاهل الأطفال الذين تعرضوا إلى حرب طاحنة انعكست سلباً على الحالة النفسية لهم وأصابت الكثير منهم بصدمات نفسية لا تزال آثارها عالقة في أذهانهم حتى الآن.
وأضاف أبو ريالة لـ "فلسطين": "المنطقة مرت خلال الحرب بنكبة حقيقية، تعرضنا لقصف ودمار وإبادة وتجويع. من خلال هذا الحفل نوصل رسالة دعم نفسي للأطفال، ونقول للعالم إن أطفال غزة موجودون، وغزة تحب الفرح والانبساط".
وبيّن أن الفعالية استهدفت بشكل خاص أطفال الشهداء والأيتام الذين فقدوا آباءهم ودُمرت بيوتهم.
وتضمنت الفعالية حفلاً ترفيهياً، أنشطة دعم نفسي، وتوزيع هدايا رمزية جُمعت بجهود شخصية من مبادرين، في محاولة لإدخال السرور إلى قلوب الأطفال الذين عايشوا ويلات الحرب والمجاعة. "بأشياء بسيطة بدنا نفرح الأطفال ونرسم بسمة على وجوههم"، وفق أبو ريالة.
في ظل حرب طاحنة دمّرت البنية التحتية وأرهقت النظام الصحي والنفسي في قطاع غزة، تبدو مثل هذه المبادرات بمثابة شريان حياة، ورسالة إنسانية تقول إن الطفولة في غزة، رغم الجراح، ما زالت قادرة على الحلم.
وتشير تقارير منظمة اليونيسف ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) إلى أن أكثر من 17 ألف طفل قد قتلوا أو فقدوا منذ السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023، بينما يعاني حوالي مليون طفل من صدمات نفسية حادة.

