في ظل تدمير أكثر من 80% من منازل قطاع غزة خلال الحرب الإسرائيلية، يجد مئات آلاف النازحين أنفسهم في مواجهة فصل شتاء قاسٍ داخل خيام لا تقوى على الصمود أمام الأمطار والرياح.
ومع دخول المنخفض الجوي الحالي، تحوّلت مناطق واسعة من المخيمات إلى برك طينية، وتكررت مشاهد الغرق والبرد والاختناق داخل خيام مهترئة لا تصلح للسكن لحظة واحدة.
على أطراف مخيم النصيرات، وقف سالم داوود قرب خيمته التي طوّقها بجدار من أكياس الرمل جمعها بنفسه.
يقول داوود لـ "فلسطين أون لاين": "لو لم نرفع الخيمة ونشد أطرافها بالرمل، لغَرِقَت من أول ساعة مطر. نحاول فعل ما نقدر عليه، لكن هذا ليس حماية، هذا مجرد تأجيل للغرق".
ويضيف أن الرياح اقتلعت إحدى زوايا الخيمة منتصف الليل، واضطر مع ابنه إلى تثبيتها بالحجارة الثقيلة.
أعربت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) عن قلقها البالغ من التداعيات الكارثية للمنخفض، مشيرة إلى أن "الخيام الحالية غير قادرة على حماية النازحين من الأمطار الغزيرة أو البرد القارس، مما يعرض مئات الآلاف لخطر الغرق والأمراض التنفسية".
سقف بديل
في خيمة بشارع عمر المختار، لجأت أربيع إلى تمديد طبقة سميكة من النايلون فوق الخيمة وربطها بحبال اقتطعتها من بقايا خيام ممزقة.
وتقول لـ"فلسطين أون لاين": "النايلون حافظ على الخيمة في أول موجة مطر، لكن الهواء مزّقه مرتين. نعود للصقه بشرائط لاصقة. لا نملك أدوات حقيقية، وكل ما نفعله ترقيعات مؤقتة".
وتشير إلى أن الأطفال قضوا ليلتين في وضعية الجلوس بسبب تسرب المياه إلى الفرشات.
قنوات تصريف يدوية
في حي الزيتون، حفرت عائلة محمود عزام قناة ترابية حول الخيمة لتصريف الأمطار، لكنها سرعان ما تحوّلت إلى مأزق للجيران.
يقول عزام لـ"فلسطين أون لاين": "القنوات ساعدتنا قليلاً، لكنها دفعت المياه نحو خيمة يقطنها كبار في السن، فاضطررنا لتغيير مسارها مرتين. كلنا نحاول أن ننجو من المطر، لكن الحلول كلها مؤقتة وخطِرة".
ويؤكد أن أرض المخيم "لا تمتص المياه بسبب تراكم الطين"، ما يزيد احتمالية انهيار الخيام.
مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة (أوتشا) أكد في تقرير ميداني، الثلاثاء، أن "عائلات فلسطينية نازحة في غزة تواجه خطر الفيضانات داخل ملاجئ سيئة التهوية"، محذرًا من أن "المواطنين معرضون للخطر بشكل كبير مع سوء الأحوال الجوية، في حين تعرقل القيود الإسرائيلية عمل منظمات الإغاثة وشركاء الأمم المتحدة".
وأضاف المتحدث باسم "أوتشا" ستيفان دوجاريك في مؤتمر صحفي أن "الدمار الذي لحق بالبنية التحتية الصحية والتصريف يجعل القطاع عاجزًا عن مواجهة المنخفضات، مع تقدير تضرر 22 ألف خيمة و288 ألف أسرة حتى الآن"، داعيًا إلى "زيادة التمويل الطارئ بنسبة 50% لبرامج الشتاء، وفتح المعابر لإدخال الوقود والآليات الثقيلة لإزالة السيول".
تعيش مها خضر (45 عامًا)، وهي أم لخمسة أطفال، في خيمة بمنطقة "المواصي" غرب خان يونس. تقول: "مدّيت نايلون فوق الخيمة، لكن الريح شقّته ثلاث مرات. كنا نلزّقه بالشمع ونربط الحبال من جديد. الأطفال بردانون لدرجة الارتجاف".
وتضيف: "نمت ليلتين وأنا أمسك عمود الخيمة بيدي خوفًا من أن يقع فوق رؤوسنا".
من جانبه، أعرب رئيس بلدية غزة يحيى السراج عن قلقه البالغ، قائلاً إن "المنخفض أدى إلى ارتفاع منسوب المياه وغرق مراكز الإيواء وقطع الطرق في عدة مناطق، ما يفاقم الأزمة الإنسانية في ظل دمار أكثر من 85% من معداتنا وآلياتنا".
وأوضح السراج أن "نقص الوقود والآليات الثقيلة يعيق عملنا تمامًا، ونعتمد على آليات قديمة مستأجرة لا تصلح لمواجهة السيول، مما يهدد بكارثة صحية وبيئية إضافية بسبب تراكم النفايات والمياه الراكدة".
وحذر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة من "مخاطر حقيقية تتمثل في غرق الخيام واجتياح مياه الأمطار لمناطق النزوح"، مشيرًا إلى أن سلطات الاحتلال مسؤولة عن تفاقم الوضع بمنعها إدخال الوقود والمواد الإغاثية، رغم اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر الماضي.
ودعا الناطق باسم حركة حماس، حازم قاسم، إلى "عملية إغاثة عاجلة وتوفير مراكز إيواء لائقة"، محذرًا من أن "الخيام غير صالحة لتحمل الأمطار أو برد الشتاء"، ومؤكدًا ضرورة إلزام الاحتلال ببروتوكولات الإغاثة الدولية.
بين أكياس الرمل والنايلون وقنوات التصريف، يعيش سكان غزة ساعات طويلة في مواجهة المطر والبرد، مستندين إلى حلول لا تقيهم الخطر، بل تؤخره قليلًا فقط.