قبل الدخول في أي مرحلة جديدة من الترتيبات السياسية لوقف إطلاق النار في غزة، تفرض الكارثة الإنسانية أولوية لا يمكن القفز عنها: عودة النازحين فورًا بوصفها حقًا قانونيًا غير قابل للتفاوض.
فالقانون الدولي الإنساني لا يعلّق حماية المدنيين على الاتفاقات، ولا يربط حقهم في الحياة بجدول المفاوضات.
المنخفضات الجوية العميقة، وما تحمله من أمطار غزيرة ورياح وفيضانات، تحوّل الخيام المهترئة إلى مصائد موت حقيقية.
وترك مئات آلاف النازحين في العراء، دون مأوى آمن أو حماية، يُعد انتهاكًا صريحًا لواجب حماية السكان المدنيين المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف، ويشكل صورة واضحة من صور الإهمال المفضي إلى الهلاك.
لقد تحوّل النزوح في غزة من حالة طارئة مؤقتة إلى واقع قسري ممتد، تعيش فيه العائلات بلا مقومات السكن اللائق، في اكتظاظ خانق، وفقر مدقع، ووضع نفسي منهار، ما يرقى قانونيًا إلى عقاب جماعي محظور، وتهجير قسري مستمر تُجدَّد آثاره يوميًا.
وتزداد الجريمة خطورة حين تترافق الكارثة الطبيعية مع خطاب تحريضي علني.
ففي تصريح متلفز على إحدى القنوات العبرية، وُصفت الفيضانات المتوقعة في غزة بأنها “أخبار سارة”، وترافقت مع عبارات عن “تنظيف غزة”، وهو خطاب لا يندرج في حرية الرأي، بل في التحريض المباشر على الإبادة والاقتلاع، وهي جريمة يعاقب عليها القانون الدولي ولا تسقط بالتقادم.
إن عودة النازحين ليست مطلبًا إنسانيًا فقط، بل واجب قانوني فوري، وأي تعطيل متعمّد لها في ظل هذه الظروف المناخية القاتلة يفتح الباب أمام المساءلة الجنائية الدولية عن نتائج يمكن توقعها سلفًا: الغرق، البرد، المرض، والانهيار النفسي.
لا يطلب أهل غزة امتيازات، ولا يبحثون عن رفاهية، بل يطالبون بحقوق أساسية كفلتها القوانين قبل الضمائر: الحق في الحياة، والحق في السكن، والحق في الأمان.
وأي صمت دولي عن هذا الاستحقاق العاجل هو مشاركة غير مباشرة في الجريمة، مهما اختلفت الذرائع.